وئدت فرحة عروس في شهرها الثاني دون سابق إنذار، لم تكن تعلم أن زيارة صيدلية في منتصف الليل ستنهي كل شيء قبله وتبدأ حياة مختلفة تماما عما كانت عليه في السابق، ذلك الخروج غير مسار أحداث حياتها لتصبح بلا هوية. الشابة سعدية تعرضت لحادث مروري بعد شهر و26 يوما من زفافها، خرجت أعداد الأيام من فمها وهي تحكي القصة بمرارة عندما تذكرت أنها خسرت الكثير من حياتها الجديدة التي لم تبدأ بعد وهي عروس، لم يتح لها الفاعل فرصة التمتع بشهر عسل سرعان ما مزج بالأملاح دون أدنى اعتبار لنكهة هذه الأيام في ذاكرة كل أنثى. «عكاظ» زارت سعدية محمد علاقي (27 عاما) في مستشفى عبداللطيف جميل للتأهيل الطبي والتقت أيضا بوالديها لتكشف ملابسات الحادث وما تركه من آثار على جسد العروس. ليلة مأساوية تقول سعدية: «خرجت في منتصف الليلة ال 26 من الشهر الثاني لزفافي مع زوجي إلى الصيدلية لشراء دواء وقد أوقف السيارة أمامها مباشرة، وتأخر زوجي عن الخروج منها لثوان معدودة طالبا مني إخراج محفظة نقوده من حقيبتي وإذ بسيارة مسرعة خرجت من الشارع الجانبي وانعطفت نحونا بطريقة جنونية وقد تجاوزت المطب الصناعي الذي رفعها ثم رماها لتستقر من قوة الارتطام أسفل سيارتنا وخرج السائق من سيارته بطريقة ما وهو في حالة غير طبيعية وحاول الهرب لكن شهود الحادثة ألقوا القبض عليه». وتتابع سرد ذكريات تلك الليلة المأساوية: «تبرع مار بسيارته الخاصة بنقلي وزوجي إلى المستشفى وقد حاول رغم إصابته إبقائي واعية طوال الطريق والدم ينزف من رأسي للحيلولة بيني وبين غيبوبة مؤكدة إن أغمضت عيناني». غضاريف مستعارة وتتابع: «وصلنا إلى طوارئ مستشفى جامعة الملك عبدالعزيز وأنا واعية بما يدور حولي وقد أسفرت الفحوصات عن كسر في فقرات الرقبة وكدمة في النخاع أنتجت جميعها شللا رباعيا في جسدي، كما أن زوجي أصيب بضغط في القفص الصدري أدى إلى نزيف في الكبد وتهتك في الطحال ولكنه رفض إجراء أية عمليات وقتها واتصل بوالدي في هذه اللحظات لإبلاغه الذي اتصل بوالدتي لتحضر بسرعة من خارج جدة، وبقيت في الطوارئ حتى السابعة مساء لتوفير الغضاريف المطلوبة التي تبرع بمبلغها أحد الأطباء وأجريت لي العملية». ثقب تنفس ويمسك والدها بطرف الحديث: «أصاب الحادث الأسرة بالذهول ولكن الله من علينا برباطة جأش وقوة تحمل لاستيعاب المشكلة، وقد خرجت سعدية من غرفة العملية ومكثت في العناية المركزة لمدة ستة أسابيع وصل جسدها بأجهزة التنفس الصناعية مع وجود ثقب في الرقبة لإيصال الهواء ولم تكن تستطيع الحديث لقرب الفتحة من الحبال الصوتية ومد الأطباء أنبوبا للتغذية عبر الأنف وأنبوبا آخر في الفم لسحب السوائل المفرزة منه، ولم تتمكن من الحركة نهائيا رغم أنها تعي وجودنا حولها». محاولة آخر الليل وتقول سعدية: «زارني الشاب ووالدته بعد العملية أثناء تنويمي في العناية المركزة في الساعة الثانية ليلا وهو وقت غير مسموح به لزيارة المرضى وذكرت والدته أن ابنها لم ينم منذ يومين ويمر في وضع نفسي صعب نتيجة الحادث وأن وجودي مشلولة في هذه الدنيا لا قيمة له ومن الأفضل لي ولهم مفارقة الحياة، بعد انتهاء عبارتها توقف قلبي عن النبض وهي بجانب سريري وحاول الأطباء جاهدين إنعاشه حتى عاد للعمل مرة أخرى، وتكررت زيارتهم مرة أخرى توقف على إثرها النبض مما جعل أسرتي تستفسر عن السبب وقد أبلغوا من قبل حراس الأمن بأن زوارا ادعوا أنهم من عائلتنا قدموا من خارج مدينة جدة لزيارتي في غير الأوقات التي تتواجد بها أسرتي». حراسة أسرية وتضيف: «تناوب أفراد أسرتي على التواجد في المستشفى لحمايتي من أي زيارة مباغتة أخرى للشاب ووالدته، وبالفعل حاول مرة أخرى الدخول إلى العناية المركزة فاستوقفه أخي وأخذ يطمئنه عن وضعي وأن حالتي في تحسن وهي مجرد حيلة لاستبطائه لحين وصول الشرطة للقبض عليه». ويعلق والد سعدية: «رفعت قضية على الشاب لوجود شبهة جنائية بانتحاله شخصية قريب وزيارته ابنتي في أوقات متأخرة وبعد انتهاء مدة زيارة المريض المحددة والتكشف عليها، وقد أدلى أحد حراس الأمن بشهادته في المحكمة». تورط بعد مرور سنتين على الحادث تطالب أسرة سعدية بالحكم في القضية المرورية التي تزداد تعقيدا بسبب عدم حضور الشاب جلسات المحاكمة وبعد محاولات عديدة لاستدعائه عن طريق عمدة الحي الذي يسكنه واستدعاء كفيله لم يحضر أيضا وأرسل خطاب في نهاية الأمر إلى الشرطة لإحضاره بالقوة الجبرية فتم إلقاء القبض على كفيله الذي أفصح عن أن المدعى عليه موقوف في عدة قضايا أمنية أخرى. اعترض المدعى عليه عندما حضر إلى المحكمة بعد تغيب عن الجلسات الأولى على نسبة الخطأ في الحادث ثم أرسلت المعاملة إلى مرور جدة لتؤكد أن نسبته في الخطأ 100 %. وفاة اعتراضية توفيت والدة المدعى عليه قبل صدور الحكم، وحاول والده مساومة زوج سعدية بالتنازل عن القضية مقابل أربعة ملايين ريال والذي رفض مؤكدا أنها لن تساوي وقوف زوجته على قدميها مرة أخرى، وتطالب سعدية بالقصاص ممن تسبب لها في الشلل وحرمها الاستمتاع بحياتها وأرهق والديها بعبء رعايتها وتقول: «سامحت والدة الشاب عندما سمعت بخبر وفاتها ودعوت لها بالرحمة والغفران على ما كان منها عند زيارتي في المستشفى وتخويفي في موقف أضعف ما يكون الإنسان فيه عندما لا يستطيع أن يبعد ذبابة تقف على وجهه بعد أن سلبت منه كامل قوته، أما ابنها الذي كان السبب فيما أنا فيه فأنا أطالب بالقصاص منه وجعله لا يقدر على تحريك أي طرف من أطرافه سوى يد يحرك بها عصا الكرسي المتحرك كما أنا عليه الآن ولن يهدأ لي بال حتى أسترد حقي أو أقف على قدمي كما كنت في السابق وأعود لحياتي مع زوجي وفي داخل بيتي».