استبشر الوطن والمواطنون قبل أكثر من عام بصدور الأمر الملكي الكريم بإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وإعطائها صلاحيات كبيرة في الحد من الفساد الإداري والتعدي على المال العام. ويأتي إنشاء الهيئة ضمن منظومة الإصلاح التي يقودها خادم الحرمين الشريفين التي ستساهم في تعزيز النزاهة ورفع كفاءة أداء الأجهزة الحكومية. ويعد الفساد الإداري من اهم المعوقات امام الإصلاح الإداري والتنمية الشاملة فلا يمكن تحقيق الإصلاح الإداري والمالي من دون وضع آليات للحد من هذا الفساد. ولعل أكبر شاهد على الفساد الإداري هو تدني مستوى الخدمات والبيروقراطية الإدارية التي تشهدها معظم الأجهزة الحكومية وتعثر آلاف المشاريع بالإضافة إلى ضعف مستوى المشاريع المنفذة والتي كلفت الدولة مئات المليارات من الريالات. إن نجاح الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد مطلب وطني بل هو مطلب شرعي، فالمال العام يجب أن يكون محل عناية الجميع فكيف بالمسؤول عنه؟ ولقد جاء أمر خادم الحرمين الشريفين بإنشاء الهيئة وإعطائها استقلالية تامة ليؤكد جدية الدولة في المحاسبة والمساءلة وإعطاء هيئة مكافحة الفساد مكانتها بين أجهزة الدولة. وهذا الدعم من أعلى سلطة في الدولة يعني بالضرورة أن على هيئة مكافحة الفساد مباشرة مهامها وفرض صلاحياتها على جميع الأجهزة الحكومية. والآن وبعد أن مضى أكثر من عام من إنشاء هيئة مكافحة الفساد نلاحظ أنها في موقف لا تحسد عليه، حيث إنها لم تستطع أن تمارس كافة صلاحياتها وفرض دورها القانوني والرقابي على الأجهزة الحكومية، وهذا شيء متوقع نتيجة لعدم تجاوب كثير من الأجهزة الحكومية مع ملاحظاتها واستفساراتها بسبب البيروقراطية التي تعاني منها هذه الأجهزة والأنظمة والإجراءات المعقدة الموجودة فيها، وعدم تعود المسؤولين على المساءلة والاستفسار، بالإضافة إلى إخفاء أو إتلاف الوثائق أو الأدلة التي تدين أو تكشف المخالفين للأنظمة والقانونيين. ويؤكد ذلك أن رئيس الهيئة أبدى بنفسه تذمره من عدم تجاوب الكثير من الجهات الحكومية مع طلبات الهيئة، علما أن عدم التجاوب مع الهيئة في ملاحظاتها واستفساراتها مخالف للمادة الخامسة من نظام الهيئة التي تلزم بالرد على الاستفسارات خلال مدة أقصاها 30 يوما. لذا مطلوب من الهيئة أن تمارس كافة صلاحياتها التي منحت لها من خادم الحرمين الشريفين والصمود أمام جميع التحديات والعقبات التي تواجهها من جميع الأجهزة الحكومية والأشخاص العاملين فيها، وأن تكون شريكا فاعلا في معالجة كافة الأخطاء والقصور التي تعاني منها هذه الأجهزة، وإغلاق جميع النوافذ التي ينفذ من خلالها الفساد أينما كان مصدره وعلى كافة المستويات، وكذلك مطلوب من جميع المواطنين والمسؤولين الغيورين على مصلحة هذه البلد التعاون مع الهيئة في كشف كل حالات الفساد الإداري والمالي وتقديم الوثائق والأدلة والبراهين التي تساعد الهيئة في الكشف على كل حالات الفساد الإداري والمالي، حيث أصبحت قضية مكافحة الفساد شأنا عاما تهم المسؤول والمواطن، وفي المقدمة قائد هذه البلاد. * عضو جمعية الاقتصاد السعودية