بالرغم من بياض خصلات شعرك وتجاعيد اقتحمت ملامحك إلا أنه يصر أن يخاطبك وكأنه حكيم يخاطب ابنه، جديته واهتمامه بما يقول لا تملك معهما إلا أن تصغي وتنصت. ياولدى، يقول تشرشل «لا يوجد من أحد يدعي أن الديمقراطية هي الكمال والحكمة الخالصة. في الحقيقة قيل إن الديمقراطية هي أسوأ أنواع الحكم فيما عدا جميع أنواع الحكم الاخرى التي جربت إلى الان» . وقد شخص ويلسون (رئيس الولاياتالمتحدة ما بين 1913 1921) علة الديمقراطية «الحكومة التى صممت للعامة أصبحت في أيدي المسؤولين وهؤلاء يرأسهم أصحاب المصالح، إمبراطورية خفية تكونت فوق الديمقراطية» . وفهم ريجان قصور المرجعية الاخلاقية «بدون الرب، الديمقراطية لن ولا يمكنها الاستمرار» . يا ولدي، مشكلة الديمقراطية ليست في مفهومها ولكن في تطبيقها. فقد فاق الإنفاق على حملات انتخابات الكونجرس الأمريكي في 2008م مبلغ 1.4 بليون دولار، وما صرفه أوباما ورومني في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة فاق 2 مليار دولار. القضية ليست في هذه المبالغ ولكن من يقوم بالتمويل. فقد فاق ما قدمته البنوك والبيوت المالية لتمويل مرشحي انتخابات الكونجرس 200 مليون دولار ومن أمثلة ممولي حملات الرئاسة الامريكية منظمات أصحاب المصالح وأصحاب شركات تجارية وأصحاب أجندات خاصة. في تعريف الديمقراطية انها نظام حكم يضمن حقوق المواطن، ولكن أي مصالح سيسعى لها من يفوز هل حقوق ومصالح من انتخبه، أم مميزات وسيطرة للممول. وبجانب المال فلا يمكن لإنسان أن يصل إلى قمة مناصب الديمقراطية في أي من الدول التي تعد نموذجا ومعقلا لها دون أن يكون ترسا صغيرا في عجلة كينونة حزب سياسي ضخمة تحركه حسب ما تشاء ووقت ما تشاء. وهناك كثير من الاسئلة عن هذه الأحزاب ومن يمولها ومن يقود توجهاتها. تبرز شيب شعرك وأنت تقاطع بعدم الفهم، لايبالي ويضخم لفظ ياولدي، أكبر العلة هي في ما عانته شعوب العالم من قتل وجبروت تحت مظلة ظاهرها نشر الديمقراطية والباطن سيطرة أصحاب النفوذ على مقدرات الأمم. هل تعلم أن أمريكا فقط قامت تحت مظلة نشر الديمقراطية بخمس وثلاثين عملية عسكرية في 24 دولة منذ عام 1945م ( لايشمل الحرب العالمية الثانية وهيروشيما) ، وأن هناك ما بين 3 إلى 5 ملايين إنسان قد قتل فيها (تقدير تايرمان جريدة واشنطن بوست 10 يناير2010م وهناك تقديرات لآخرين أكثر بشاعة). هل تعلم أن تقديرات قتلى العراق تجاوزت مائة ألف، منهم 66 ألف مدني، حسب ما تسرب عن البنتاجون الامريكي، وإن كان الواقع أكثر، وانظر إلى العراق اليوم كيف أضحى وقد حدث كل هذا في زمن أصبحت فيه وسائل النشر تصل بأي فكر إلى كل إنسان في الارض. يا ولدي بعيدا عن استغلال الفكر لفرض النفوذ والعنف والفساد، فإن إيجابيات تطور فكر الانسان لا تتعارض مع دين الاسلام. فهناك قول لابن قيم الجوزية «إذا ظهرت أمارات العدل و أسفر وجهه بأي طريق كان، فثم شرع الله و دينه». وقد قال ما يماثل هذا الشيخ محمد عبده و الشيخ محمود شلتوت في نقاشهما عن الديمقراطية والاشتراكية. الحقيقة إن الإسلام أكبر من نظام، إنه فكر ومنهج يستوعب في تشريعه تطور ومتغيرات الأنظمة الاقتصادية أو الاجتماعية. فقط أزيلوا جمود مئات الأعوام وما علق به مما ليس فيه.. تنسحب وأنت تسأل نفسك هل كان يستحق إصغاءك.