هل خسر باراك أوباما معركة «ووترلو» بعد بضعة أشهر له في البيت الأبيض؟ هناك بين أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين، ومعهم عدد من الديموقراطيين، من يعتقد أن الرئيس هُزم كما هُزم نابوليون قبله، فإصلاح الرعاية الصحية الذي اعتبره أوباما في رأس أولوياته التشريعية لن يقر قبل أن يبدأ الكونغرس اجازته الصيفية في الثامن من آب (أغسطس) كما كان الرئيس وعد وحاول. الولاياتالمتحدة هي البلد الصناعي المتقدم الوحيد في العالم من دون برنامج كامل للضمانات الصحية، فهناك برامج متفرقة تمولها الحكومة مثل رعاية المسنين والمعاقين والفقراء، وأيضاً خدمات الطوارئ الصحية، ولكن لا توجد ضمانات اجتماعية، بينها صحية، كما في دول أوروبا الغربية مثلاً. والنتيجة أن هناك 50 مليون أميركي من دون تأمين صحي، وقد يرتفع الرقم الى مئة مليون مع استمرار الأزمة الاقتصادية العالمية، ما يهدد بكارثة انسانية، ثم سياسية. بصراحة، ما كنت لأهتم بخبر عن الرعاية الصحية في أميركا لولا طغيان هذا الخبر في وسائل الإعلام الأميركية منذ أسابيع على كل خبر آخر، ما جعلني أترك قليلاً تركيزي على سياسة الرئيس الجديد إزاء القضية الفلسطينية واسرائيل والعرب والمسلمين وأحاول أن أفهم قضية أميركية داخلية. أذكر جيداً أن هيلاري كلينتون حاولت اصلاح الرعاية الاجتماعية في ظل زوجها الرئيس بيل كلينتون سنة 1993 وفشلت نهائياً سنة 1994، ما انعكس في خسارة الديموقراطيين الانتخابات النصفية تلك السنة. كلينتون رأست فريق عمل وضع خطة صحية في ألف صفحة حملت شعبياً اسمها «رعاية هيلاري»، وما اقتُرِح قبل 15 سنة لا تزال الحاجة قائمة اليه اليوم، فهو سعى الى ادخال الأميركيين وأصحاب الإقامة الدائمة في أميركا في خطة صحية عامة، وجعل الفقراء يتلقون العناية الصحية مجاناً، ومنع شركات التأمين من التمييز ضد ناس تظهر فحوصات جينية لهم انهم عرضة لأمراض معينة، وإنشاء شبكة صحية الكترونية تمكّن الأميركي حيث ذهب من اخراج سجله الصحي. كيف يمكن بلداً هو الأقوى عسكرياً واقتصادياً في العالم أن يفتقر الى ضمانات صحية متوافرة في بلدان دونه كثيراً في الثروة؟ ربما كان الجواب ان الصحة في الولاياتالمتحدة مثل الانتخابات وكل شأن آخر، صناعة وليست خدمة. وربما كان الجواب الآخر ان بلداً رائداً في حقوق الإنسان وفصل السلطات طوّر نظاماً ديموقراطياً أوقع السلطة التشريعية في أسر المصالح الخاصة، وقد شكوت مرة بعد مرة من سيطرة اللوبي اليهودي على الكونغرس، وشكا أميركيون قبلي وقالوا ان مبنى الكابيتول «أرض تحتلها اسرائيل». غير أن اللوبي جزء من المعادلة، فأعضاء الكونغرس يحتاجون الى تمويل حملاتهم الانتخابية، والممولون لا يفعلون ذلك إكراماً للعيون الزرق أو السود، وانما يتوقعون من عضو الكونغرس المستفيد ان يصوت لحماية مصالحهم، والنتيجة أن شركات التأمين الصحي وشركات صنع الدواء التجارية، تتقدم في الكونغرس على المواطن الأميركي وصحته وحياته. وكنت كتبت ان الكنيست الإسرائيلي أفضل من وجهة نظر عربية من مجلسي الكونغرس لأنه أقل تطرفاً منهما، فالشيوخ والنواب الأميركيون مع اسرائيل أكثر من الإسرائيليين، والشريف منهم هو الذي إذا اشتريته يظل في جيبك ولا يخدعك. المواطن الأميركي عنده أسباب للشكوى من الكونغرس أكثر مما عندي، فأنا أشكو سيطرة اللوبي، والمواطن الأميركي يشكو مع اللوبي صاحب الولاء لبلد آخر على حساب المصالح الأميركية سيطرة التحالف العسكري الصناعي الذي حذر منه دوايت ايزنهاور يوماً. وهناك الآن حملات دعائية في أميركا ضد مشروع الرعاية الصحية تمولها غرفة التجارة الأميركية التي قاومت كل اصلاح سابق، والدعايات الحالية، وأكثرها كاذب، ذكّرت الأميركيين بحملة 1993 - 1994، ودعايات «هاري ولويز» ضد خطة هيلاري كلينتون. وقرأت أن غرفة التجارة تريد اصلاحاً «مسؤولاً»، وأراه مسؤولاً إزاء شركات التأمين وصنع الدواء لا المواطن. وإذا كان من هامش أزيده هنا، فهو أن عصابة الشر من الليكوديين الأميركيين تعارض مشاريع الرعاية الصحية، حتى وهي تهدف الى حماية المواطن الأميركي دافع الضرائب، لأنها تريد لباراك أوباما أن يفشل ولو جاء الفشل من طريق موت المواطن الأميركي مرضاً. والليكودي الحقير تشارلز كراوتهامر بشّر بغرق الرعاية الصحية التي يسعى اليها أوباما، وموقع «ناشونال ريفيو» المتطرف نشر مقالاً طويلاً عنوانه «خطة أوباما مضرة بالصحة». هم والكونغرس المباع والمشترى يضرون صحة المواطن الأميركي، وإذا كانوا لا يترددون في ايذاء هذا المواطن الذي يدفع الضرائب لتذهب الى اسرائيل، فإننا يمكن أن نقدر ماذا سيفعلون بنا لو استطاعوا.