الزمان غير الزمان. والوعي الآن غير وعي زمان. والعالم يمور بكل جديد، ولا يعرف التقوقع، ولم يعد مغلقا كما كان، في سالف العصر والأوان، ليفعل السيد الرئيس في أبناء شعبه كما يحلو له. بل أصبح العالم كالقرية الصغيرة إعلاميا. وصارت الصورة متاحة بشكل مذهل وخلال ثوان من إنتاجها. وبمجرد ضغطة زر في الشبكة العنكبوتية وأنت تتناول فنجان قهوتك، تحصل على المعلومة التي تريد بيسر وسرعة. وبالتالي لا توجد أسرار أو احتكار للمعلومة والمعرفة. نحن الآن في زمن ثورة الاتصالات والفيسبوك وتويتر وما لا يخطر على بال إنسان. في زمن الصورة التي لا تكذب، والتي تعادل كلمات ألف خطيب فصيح.. ومع هذا يصر بعض المثقفين والسياسيين، الكذب والمتاجرة بالمواقف وتغير أقوالهم وتحالفاتهم كما يبدل الشخص قمصانه وملابسه بلا خجل! وكأننا بلا ذاكرة. فتجد بعضهم عنده أكثر من قميص: قميص طليعي، قميص تقليدي، قميص ثوري، وقميص ليبرالي .. إلخ. فلكل قميص مناسبته. لكن الموضة تجاوزت بعض تلك القمصان المهترئة، بسبب تغير المزاج الشعبي العام، والشبابي على وجه التحديد. فمواقف تلك (الزعامات) المعروضة للبيع لم تعد تثير أحدا أو تجلب الضوء. بل إن تلك المواقف/ الملابس البالية أضحت مثيرة للسخرية وأقرب لمهرجانات التنكر والضحك. والدكاكين الثقافية، تلك، ممتلئة بكل ما هب ودب، بكثير من السياسيين والأدباء والصحافيين. والصحافيون لم يعودوا مثل أول مساكين كما كانوا في مجلاتهم البائسة في المهجر أو المنافي الراقية. فبعضهم الآن له منابره غير التقليدية وقنواته التي تشبه داره الخاصة، يستضيف فيها من يشاء، ويطرد من يشاء، وينتقد من يشاء، ويهجو ويمدح من يشاء، ويبتز من يشاء.. ويصمت متى شاء. ويتوارى متى شاء. فالهاتف أولا وأخيرا يصمت ويعمل بالنقود!. الشاهد. في بعض تلك الدكاكين الثقافية، نادرا ما تجد بضاعة جيدة، ولكن معروضة بشكل سيء، بجوار الخردة والبصل والثوم وأجهزة الآيباد واللاب توب واسطوانات الغاز وتنك زيت الزيتون وأكياس التمن! أهل تلك الدكاكين البائسة رغم قلة زبائن الهجاء، لم يغلقوا دكاكينهم حتى الآن! لكنهم يحلمون برجوع الزمن للخلف، وبعودة زمن الستينات والسبعينات والثمانينات (الجميل)، بزبائنه وصحفه ومواقفه الرجاجة ذات الأقطاب المتنافرة.