لا يخفى على أي أسرة سعودية حجم الكوارث البشرية والنفسية التي تخلفها الحوادث المرورية، وأكاد أجزم أن كل عائلة قد عانت بشكلٍ مباشر أو غير مباشر من هذه المعضلة السائدة في شوارع الوطن. فأنا على يقينٍ تام بأن كل قارئ قد واجه موقفا قاسيا تدمع له الأعين، سواء بقريب أو حبيب أو حتى ببعيد. فالأرقام والإحصائيات المفزعة لحوادث المرور قد تجعلنا متقاطعين في الفقد والألم، وهي أرقام كبيرة بلا شك، و تضع الكثير من علامات الاستفهام على ما يحدث! وعند ظهور ساهر تمنى الجميع بأن يكون حدا حقيقيا يبعدنا بعد إرادة الله عن الأرقام المهولة التي نقرأها ونشاهدها كل عام، رغم كل الاعتراضات التي واجهها النظام من قبل المواطنين، إلا أنه أثبت وجوده بلغة الأرقام وقلل من نسبة الحوادث والوفيات، لكن هل هذا كل ما يملكه النظام؟ لقد كنت من المعارضين بشدة لنظام ساهر بعدما علمت بأمر مساسه بجيوبنا المنكوبة، لكن هذه القناعة تبدلت مع مرور الوقت، حيث وجدت في تطبيقه حماية للكثير من الأبرياء. إلا أننا مع ذلك لو دققنا النظر في عقوبات ساهر، سنجد أنها تبدو غير منطقية، خصوصا في تفاوت تأثيرها على الطبقات الاجتماعية، بمعنى أنه لو تلقى أحد المواطنين مخالفة سرعة تصل قيمتها إلى 300 ريال، فهذا يعني أن الثري لن يجد أي مشكلة في تكرار المخالفة عشرات المرات دون الاكتراث لفلاش الكاميرا المزعج، وسيكتفي بالتأفف من إزعاج ذلك الوميض لعينيه. بالمقابل، سنرى سيلا من الشتائم من قبل الفقير الذي يقود مركبة قديمة، في حين يكون الفرد المتوسط مترددا ما بين التأفف والشتائم عطفا على مصروفات ميزانيته في ذلك الشهر. ماذا لو نظرنا لعقوبة جديدة تحقق أهداف ساهر العملية؟ أنا أرى أن (الإيقاف) بحق هؤلاء مطلب ضروري بجانب الغرامة المادية؛ لكي يتذوق الاثنان نكهة المخالفة، لتصبح عقوبة هذا النظام رادعة (بمعناها الحقيقي) الذي يجعل الثري والفقير في لحظة تأهب ومراقبة لعداد السرعة؛ خوفا من رادع ساهر النفسي والمادي، فساهر موجود (لحمايتنا) أليس كذلك؟ أقترح أن يفتح سجل كامل لأصحاب المركبات، وأن تحسب المخالفة بنصف المبلغ (أي 150 ريالا) لمن لم يتجاوزوا أول خمس مخالفات، بعدها يتم إيقاف السائق لمدة يوم واحد. تبدأ المرحلة الثانية برفع المبلغ إلى (300 ريال)، ومن يتجاوز الخمس مخالفات يتعرض للإيقاف لمدة ثلاث أيام. في حال تكرار المخالفات مرة أخرى يتعرض للإيقاف وسحب الرخصة لمدة سنة كاملة. بهذه الطريقة سيخاف الثري والفقير من النظام، ولن نرى لا مبالاة الأثرياء ولا سخط الفقراء. [email protected]