يكمل الأستاذ يحيى حقي وصفه لحفلة العرس التي حضرها في جدة عام 1927 ويقول: «لم يرتفع صوت يقول أعد حتى التصفيق بعد نهاية الوصلة غير مألوف ، قام إليه البعض وربتوا على كتفه وبعضهم لثم يده، لم يطربني غناؤه بقدر ما أطربتني لهفة المستمعين، حتى أنني شاركت فيها على خلاف عادتي». يستطرد ويقول: صديقي حسين شاب حجازي ابن أصل ضخم الجسم، لا عجب إن كان كبير القلب، ولعل إفراط جسده في النمو جاء على حساب نمو روحه، فلا تزال به مسحة من سذاجة الأطفال، أقبل علي متهللا يبشرني أنه أفلح هذا الصباح في تهريب أسطوانة مهمة جدا لعبدالوهاب، هي قصيدة شوقي يا جارة الوادي، دعاني لسماع الأسطوانة عنده ومعه رفقة من أصدقائه، في الغرفة كنبة عريقة، يقصد (الكرويتة)، وضع حسين الفونوغراف اليدوي تحت الكنبة، وجاء بفوطة كبيرة سد بها الفجوة التي يخرج منها الصوت، ثم رقد على الأرض، وجاء بالأسطوانة المشطوفة، ثم غرز في يد الفونوغراف إبرة رفيعة جدا صنف يختص به الحجاز وحده دون سائر البلاد. وظهرت على وجه حسين علامات هم شديد وهو يهم بوضع الإبرة على الأسطوانة المشطوفة كسر جزء من الأسطوانة قصفت منها كلمات «يا جارة الوادي طربت»، فيتوقف برغم حسن أحكامه وتبدأ الأسطوانة ب«دنى ما يشبه الأحلام» هذا ما يمكن استخلاصه من كلمة «وعادني»، حسين لا يريد أن يفلت منه حرف الدال بأي حال من الأحوال، فهو يجرب مرة وأخرى حتى يصل إليه دون أن تصادف الإبرة الطرف المشطوف. هكذا استمعنا إلى «يا جارة الوادي» صوت عبدالوهاب؛ كأنه صوت الشيخ علي الذي تزعم إحدى نساء القاهرة أنه يكلم زبائنها من تحت الأرض. انتهت الأسطوانة طوال الحفلة الكتيمي، وبين كل أسطوانة وأخرى تنهيدة عميقة، يتمتم بعدها بصوت حلو ب «يا ليل».