من يدفع أطفالا إلى المخاطرة بحياتهم والمغامرة بمستقبلهم واختراق حدود دولية وصولا إلى المجهول؟ من يقف وراء هؤلاء؟ من الجاني الذي يسوق الصغار اليمنيين إلى أفخاخ الموت ومصائد الهلاك؟ ما دور الجهات المعنية في المملكة واليمن في تطويق الظاهرة ووقف استغلال الطفولة والاتجار بالبراءة؟ حالات كثيرة تربعت فيها محاولات تهريب واتجار بالمستقبل في وقت شديد الظلام تضيع فيها البراءة. يقول نبيل شالف مدير مركز حماية الطفل في حرض إن الجهات المختصة بدأت في تنفيذ مشروع تأهيل الأطفال المرحلين ممن يتم تهريبهم عبر المنفذ ويتعاون في ذلك البرنامج العالمي لمكافحة عمالة الأطفال. ويضيف أن المشروع يركز على تأهيل الأطفال ضحايا التهريب في عدد من مجالات العمل التي يحتاجها سوق العمل في محافظة حجة بما يكفل عدم محاولتهم التسلل عبر الحدود بحثا عن العمل في خارج البلاد إلى جانب تسهيل عودتهم إلى مدارسهم. ويشير شالف إلى ضرورة دعم الخدمات الأساسية والعامة في المناطق والمديريات الأكثر فرزا للأطفال المتسولين والمتسربين في مختلف محافظات اليمن واستهدافها بعدد من المشاريع والأنشطة التنموية، التي يمكن أن تسهم في التخفيف من هذه الظاهرة والحد من تطورها. عمالة الأطفال منى سالم مسؤولة مكافحة عمالة الأطفال في وزارة الشؤون الاجتماعية اليمنية حثت عبر «عكاظ» على ضرورة وضع البرامج والخطط المستقبلية لمواجهة ظاهرة تهريب الأطفال عن طريق المنافذ الحدودية البرية إلى خارج البلاد، وإيجاد الإمكانات الكفيلة بتأهيلهم علميا وصحيا وحمايتهم من أي استغلال أثناء محاولاتهم تسلل الحدود اليمنية بحثا عن العمل في السعودية. يعود نبيل شالف الى القول: إن مركز الحماية الاجتماعية المؤقتة الذي اسس من قبل منظمة اليونيسف وبدعم من مؤسسة الصالح للتنمية الاجتماعية والحكومة اليمنية خاص باستقبال الأطفال المرحلين في منفذ حرض الحدودي حيث استقبل المنفذ خلال الثلاث سنوات الماضية اكثر من 1716 طفلا من ضحايا التهريب، كما استقبل خلال الأشهر الماضية أكثر من 60 طفلا تم القبض عليهم من قبل السلطات الأمنية اليمنية فيما رحلت السلطات السعودية اكثر من 30 حدثا تتراوح أعمارهم ما بين 12 و16عاما أثناء محاولتهم تسلل الحدود اليمنية باتجاه أراضيها بطريقة غير شرعية بحثا عن العمل. طلاق وتفكك شالف لفت إلى انه سيتم خلال الأيام المقبلة رسم خطة عمل أمنية أكثر فاعلية وإيجابية تكفل منع تسلل الأحداث اليمنيين إلى خارج البلاد عبر منفذ حرض البري الحدودي وكذا ضبط مهربي الأطفال وغيرهم. وقال ل«عكاظ» انه تم إصدار أحكام قضائية في حق المتهمين بتهريب الأطفال بالسجن لفترات تتراوح من سنة إلى ثلاث سنوات. ويوضح أعضاء في اللجنة الفنية اليمنية لمكافحة تهريب الأطفال بأن الأسباب ترتبط بالظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تتمثل في الفقر وسوء الحالة المعيشية ومحدودية الدخل وارتفاع نسبة الأمية بالإضافة إلى مشاكل العنف والطلاق والتفكك الأسري التي تدفع بعض الأطفال للهرب من منازلهم مع أطفال آخرين أو مع أشخاص معتقلين سعيا في المغامرة والاعتقاد بسهولة الحصول على المال والعمل في المملكة. تواطؤ الأسر مدير مركز رعاية الطفل في حرض اضاف، ان هناك عوامل تساعد على انتشار ظاهرة الاتجار بالاطفال وتهريبهم منها ضعف الوعي لدى أسر وأهالي الأطفال حول المخاطر والمشاكل التي قد يواجهها أطفالهم أثناء رحلات التهريب إلى جانب النظر إلى عمالة الأطفال نظرة جيدة وقبول بعض الاسر بذلك إذ تتم اغلب الحالات بتواطئهم ومعرفتهم، كما ساعد في استشراء الظاهرة عدم وجود نصوص قانونية صريحة تجرم قضية تهريب الأطفال وتحدد عقوبات رادعة ضد المهربين. ويوضح شالف جانبا من جهود مكافحة هذه الظاهرة قائلا: إن الجهود التي اتخذت بشكل مباشر جاءت في إطار التعاون المشترك بين الحكومة اليمنية ومنظمة اليونيسيف وتمثلت أولى الخطوات في تنفيذ الدراسة الميدانية عن المشكلة والتي أعطت مؤشرات عن المشكلة حيث تم إعداد إستراتيجية للاتصال والتوعية على كافة المستويات المحلية والوطنية وإعداد وتنفيذ ملفات نقاش وندوات توعوية حول المشكلة وأخطارها وآثارها على الأطفال ووسائل تجنبها، كما تم تصوير فيلم وثائقي عن المشكلة لاستخدامه في التوعية في أوساط المدارس والأسر وفي المجتمعات المحلية والمناطق المستهدفة بالإضافة إلى تنفيذ حملات إرشادية على مستوى المناطق في المديريات. التسرب من المدارس عن تداعيات تهريب الاطفال والاتجار بهم اشار شالف الى ان مخاطرها تتمثل في انفصالهم عن حماية الأسرة، وحرمانهم من التعليم واحتياجاتهم الأساسية إلى جانب تعرضهم للإساءة والعنف والخوف، كذلك الاستغلال الاقتصادي والجنسي والحوادث. وقد تبين ان الدافع الرئيس لهروب الاطفال هو الفقر والوضع المعيشي لعوائلهم، وتعمل البرامج على إعادة تأهيلهم في مركز الحماية. الدكتور عبدالحكيم الشرجبي أستاذ علم الاجتماع المشارك في جامعة صنعاء تناول من جانبه قضية الفقر وارتباطها بظاهرة تهريب الأطفال وقال ل«عكاظ»: إن تهريب الأطفال يعتبر من أخطر مشكلات الطفولة التي عانت منها اليمن وتصدرت العوامل الاقتصادية المقدمة في بروز وانتشار الظاهرة. كما أن عملية تسرب الأطفال من التعليم تمثل أحد الأسباب التي تغذي ظاهرة انتشار وتوسع عملية تهريب الأطفال إلى الدول المجاورة عبر المنافذ البرية الحدودية أبرزها منفذ حرض البري، إذ كشفت البيانات الرسمية لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أن نسبة 35 % من الأطفال لا يزالون خارج النظام التعليمي، وأن هناك نسبة 28.6% من الأطفال متسربون من صفوف التعليم، وقد وضعت الحكومة اليمنية بعد إدراكها لخطورة ظاهرة تهريب الأطفال واتساع نطاقها المثير للجدل، العديد من الحلول للحد من الظاهرة عبر خلق جسور من التعاون بين مختلف الجهات الرسمية.