أماطت الحلقتان السابقتان اللثام عن كثير من أسباب ونشوء ظاهرة الاتجار بالبشر، فإلى جانب تجارة الرقيق عالميا وأطفال الشوارع، نتحدث في هذه الحلقة عن قضية الاتجار بالأطفال الذين يتحولون بفعل الأعمال غير المشروعة إلى قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة، لا سيما إذا علمنا أن ما يقدر بنحو 2.4 مليون شخص يفقدون سنويا وسط الشبكة المعقدة لهذه الصناعة السرية الخادعة، حيث تمثل سوقا لحياة البشر تبلغ أرباحها السنوية أكثر من 32 مليار دولار أمريكي. في المملكة، ورغم الجهود الكبيرة التي تنفذها سلطات الأمن والتشريعات التي دفعت بها الجهات ذات العلاقة للجم الظاهرة والتصدي لها، برزت صور عدة للمتاجرة بالبشر، ومن بين هذه الصور ما ينتشر بين الجاليات الأفريقية والبرماوية أيضا، مشكلة الحاضنات؛ وتتلخص المشكلة في ترك الأطفال الرضع وصغار السن الذين هم نتاج زواج غير قانوني وغير موثق لدى نساء أخريات أثناء ذهاب الأم للعمل. يحدثنا سليمان هارون، وهو لا يعرف عن مفهوم تجارة البشر شيئا على حد زعمه، يقول: إن التعاون بين الجاليات الأفريقية في هذا الأمر قائم، ويضيف عندما تريد فتاة متزوجة ولديها أطفال، العمل أو الخروج لشراء مستلزماتها تترك أطفالها لدى أسرة أخرى، المشكلة ليست هنا -على حد قوله- بل تتمثل عندما يتم القبض على الأم من قبل فرق الجوازات، حيث يتم ترحيلها بينما طفلها الصغير الذي لا تبلغ عنه سلطات الأمن يظل لدى الأسر الحاضنة، يكبر هذا الطفل دون إقامة ودون سند قانوني يثبت جنسيته أو حتى أبويه، وبالتالي يتحول مع الزمن إلى ضحية يواجه مصاعب الحياة بمفرده. كصحفي يبحث عن معلومة، حاولت البحث والتقصي عن هذا الأمر غير أنني لم أجد قصة واحدة لدى سلطات الأمن مسجلة على هذا النحو، ويبدو أن كلام هارون فيه شيء من الحقيقة، إذ أكد لي أكثر من شخص التقيتهم أن من يتولون حضانة الأطفال عند رحيل الأب أو الأم يجعلون الطفل يواجه صنوف الأعمال الشاقة، فتجده ينخرط في العمل رغم نعومة أظفره في مهام وأعمال تصنف على أنها متعبة مثل الحدادة، ورش السيارات، وغيرها. الرقابة أولا معتوق الشريف عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان والرئيس التأسيسي للجمعية السعودية لرعاية الطفولة، يرى أن مشكلة الاتجار بالأطفال، رغم أنها منحصرة في فئة قليلة من الوافدين إلى المملكة للعبادة أو العمل، إلا أنه يطالب بسن المزيد من آليات الرقابة للجمها والتصدي لها. وأضاف: هناك أنماط عدة لاستغلال الأطفال ومنها في التسول، ترويج الممنوعات، العمل الشاق، التبني، وصور الاستغلال الجنسي. تشويه البراءة بحسب الدراسات والأبحاث المتوافرة ومنها رسالة الدكتوراه التي حصل عليها الدكتور خالد بن سليم الحربي من جامعة نايف للعلوم الأمنية، فإن الأطفال هم إحدى ضحايا الاتجار بالبشر، وبحسب الدراسة فإن أطفال الجالية النيجيرية هم الأكثر استغلالا للأطفال واستثمارا لإعاقاتهم لتحقيق مصدر دخل مالي، وأن السيدات النيجيريات يقفن وراء كثير من صور إيذاء الأطفال وتشويه براءتهم، وتشير الدراسة إلى أن معظم الأطفال المهربين إلى المملكة يقدمون عبر الحدود اليمنية عن طريق عبور الجبال والتسلل في جنح الظلام. ورصدت الدراسة أهم وأبرز أنواع العنف التي يتعرضون لها؛ ومنها التشويه من خلال صنع الإعاقات العمدية لهم من قبل الأسرة بمشاركة التنظيم الإجرامي، تعرضهم لأنماط متنوعة من العنف البدني واللفظي؛ أبرزها الضرب والشتم والتهديد من قبل مستغليهم، وتعرضهم للجوع والعطش والخوف والتزاحم في وسائط النقل التي يستخدمها المهربون، وتعريضهم للإجهاد والتعب والإعياء من جراء السير لمسافات طويلة ولدرجات عالية من الحرارة والعمل في ظل ظروف جوية شديدة الحرارة، فضلا عن الحوادث المرورية، المرض، الجوع والعطش. نيجيريون جناة وضحايا وذهبت الدراسة إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث أكدت على وجود مؤشرات تؤكد على وجود تنظيم إجرامي يقف خلف تهريب الأطفال والاتجار بهم من نيجيريا إلى المملكة، ومن أبرز المؤشرات الدالة على ضلوع هذا التنظيم في تهريب الأطفال والاتجار بهم هو توزيع وانتشار أعضاء هذا التنظيم، فمنهم من يذهب للأسر الفقيرة لتأمين الأطفال للتنظيم الإجرامي، وآخرون يجهزون الوثائق وإعداد الطفل للتهريب، وآخرون يقومون بدور النقل (نقل الطفل من بلد المصدر إلى بلد المقصد)، وسيدات يستقبلن الأطفال في بلد المقصد، كما أثبتت الدراسة أن هناك العديد من الآليات التي يتم من خلالها تهريب الأطفال، حيث يتم تهريبهم عن طريق الجو والبر والبحر، إلا أن كل أسلوب تهريب له طرقه المختلفة عن الآخر، كما أن هناك شبكات تمتهن تهريب الأطفال إلى داخل القرى والمدن.وألقت الدراسة باللائمة على وعي المجتمع في فهم الاتجار بالأطفال، مؤكدة أن هذا المفهوم لا يزال مجهولا لدى كثير من الأسر السعودية وأن أبرز العوامل التي جعلت من الأطفال المهربين إلى المملكة يقعون ضحايا لجريمة التهريب، الأسرة والفقر والجهل وجماعة الرفاق، علما بأن الغالبية العظمى من الأطفال ضحايا التهريب والاتجار يأتون من قرى ومدن صغيرة، حيث يقدم المهربون والمتاجرون بالأطفال مغريات لأسر هؤلاء الأطفال. وعن طرق تهريب الأطفال إلى المملكة رغم كل الإجراءات، رصدت الدراسة عددا من الحيل وطرق التهريب، حيث أشارت بوضوح إلى أن الغالبية العظمى من الأطفال المهربين إلى المملكة، يتم تهريبهم جوا باستغلال تأشيرتي الحج والعمرة لتهريبهم، ويليهم في الترتيب الأطفال الذين تم تهريبهم برا، في حين الأطفال الذين تم تهريبهم بواسطة البحر الأقل نسبة، الأطفال الذين تم تهريبهم جوا يحضرون مع مهرب أو متاجر، يكون قد زور وثائقهم من البلد الذي قدموا منه مدعيا أن الطفل (المهرب) ابنه، لكي يكون دخوله إلى المملكة بطريقة قانونية. الشواطئ منفذ عبور وذكر الحربي في رسالة الدكتوراه أن الغالبية العظمى من الأطفال المهربين إلى المملكة برا عبروا الحدود البرية اليمنية مشيا على الأقدام، وأن الأطفال الذين تم تهريبهم بحرا دخلوا عبر الشواطئ الجنوبية الغربية للمملكة، كما أثبتت الدراسة وجود مهربين داخل المملكة، وأن هؤلاء المهربين لهم شكلان؛ فردي عشوائي غير منظم وآخر منظم، وربطت الدراسة بين التزوير وتهريب الأطفال حيث وجدت أن التزوير عامل مهم من العوامل التي يلجأ لها المهربون في التهريب. وعن الأعمال التي يقوم بها المتسللون من الأطفال، أوضحت الدراسة أن التسول هو العمل الرئيس لهؤلاء، كما أثبتت أن العائد المادي الذي يحصل عليه الأطفال يأخذه المتاجر بالطفل، وهذا المتاجر غالبا ما يكون شخصا من خارج الأسرة، استأجر هذا الطفل من أسرته للمتاجرة به، وقد يكون هذا المتاجر أحد أفراد أسرة الطفل. وأثبتت الدراسة أن الغالبية العظمى من الأطفال المتاجر بهم من الجنسية النيجيرية أطفال معاقون، وأن هناك ظاهرة تنبئ بخطر مستقبلي حول الاتجار بالأطفال وهي ظاهرة الحاضنات الأفريقيات. وجزمت بأن من النقاط الرئيسة للمهربين البشريين داخل المملكة، أن هذه النقاط ينتشر فيها سماسرة ومهربون، وأن مستغلي الأطفال من الجنسية النيجيرية من السيدات، و أن هناك إمكانية في تهريب الأطفال بين المملكة واليمن عبر الحدود البرية. من يحمي هؤلاء وخلصت الدراسة إلى ضرورة إيجاد آلية اجتماعية وقانونية يتم من خلالها تحديد مفهوم واضح يحدد الحالات التي يمكن اعتبارها متاجرة في الأطفال، ومن خلال ذلك يتم سن قوانين تتوافق مع هذا المفهوم من حيث التجريم والعقوبة، تفعيل التعاون الدولي بين البلدان التي تعتبر بلدانا مصدرة للأطفال المهربين والمتاجرة بهم والبلدان التي تعتبر بلدان مقصد أو عبور لهؤلاء الأطفال، ما من شأنه أن يحمي هؤلاء الأطفال من هذه الجريمة ويحد من استغلالهم والاتجار بهم. كما أوصت بضرورة حض وسائل الإعلام للتنبيه بخطورة هذه الظاهرة على الأطفال وعلى دول المصدر والمقصد، والتعريف بهذه الظاهرة من حيث الماهية والطرق التي يتم استغلال الأطفال والاتجار بهم، وتفعيل دور المواطن من خلال تبني المؤسسات الرسمية ذات العلاقة لحملات توعوية إعلامية، تتضافر مع التوعية الإعلامية، بهدف تعاون المواطنين في الحد من هذه الظاهرة والمساهمة في مكافحتها. دعم الخبراء ودعت الدراسة إلى أهمية إنشاء لجنة وطنية لمكافحة تهريب الأطفال والاتجار بهم، تشرف على هذه اللجنة وزارة الداخلية ووزارة الشؤون الاجتماعية، وتنسيق الجهود الأمنية داخل المملكة وتفعيلها للحد قدر الإمكان من ظاهرة مهربي البشر المحليين، وذلك من خلال الاستعانة بالخبراء الأمنيين ومدهم بالآليات المناسبة، وأجهزة تحديد المواقع والطائرات العمودية، واختيار عدد مناسب ومؤهل لمحاربة هذه الظاهرة، خصوصا في المناطق الجنوبية الغربية من المملكة. وحثت على أهمية تفعيل عمل رجال حرس الحدود على طول الحدود، بهدف محاربة ظاهرة تهريب الأطفال، خصوصا التهريب بشكل عام، وربط القادمين لأداء العمرة والحج وبرفقتهم أطفال بسفارات بلدانهم بحيث تكون السفارة هي المسؤولة عنهم وعن أطفالهم منذ دخولهم للمملكة وحتى انتهاء فترة أداء الفريضة، بهدف القضاء على ظاهرتي تهريب الأطفال والاتجار فيهم والتخلف عقب أداء الفريضة.