ما حصل في مدينة عرسال، وذهب ضحيته خيرة من رجال الجيش اللبناني، لم يكن وليد الصدفة أو حادثا عابرا أو ربما حادثة فردية، فما شهدته هذه المدينة الحدودية الغالية على قلوب كل اللبنانيين يمثل تظهيراً للأزمة الكبيرة التي يعيشها لبنان في الفترة الأخيرة وخاصة منذ اندلاع الأزمة السورية قبل ما يزيد على العامين. حادثة عرسال وبعيداً عن تفاصيلها والروايات المتعددة التي رافقتها وظللتها تبقى حادثة مستنكرة بالشكل والمضمون؛ لأن الخاسر الأكبر فيها هو لبنان طالما أن المستهدف الرئيس فيها هو الجيش اللبناني الذي لطالما تفاخر اللبنانيون أنه سياج الوطن. وإن كانت التحقيقات السريعة هي المطلب الأول وهذا من صلاحيات القضاء اللبناني ولا لبس في ذلك، فإن مسارا آخر يجب أن يفتح ويتم سلوكه يرافق المسار القضائي وهو لا يقل أهمية عنه وعنيت به المسار السياسي. لبنان في هذه اللحظة الحرجة إقليمياً وداخلياً بحاجة لحكمة وطنية سياسية تمكنه من مواجهة كل هذه التحديات، وعرسال المدينة والأزمة بحاجة إلى رؤى الحكماء ويقظتهم للتصدي لما حصل وفق معادلة لا يمكن المساس بها وهي أن الجيش اللبناني خط أحمر ولا يمكن المساس به بأي شكل من الأشكال. المعالجة الحكيمة مطالبة أن تعمل على نزع فتيل الفتنة بداية عبر الولوج سريعا بوقف التعاطي الإعلامي الطائفي مع الحادثة بحيث لا تصور «عرسال» على أنها «تورا بورا» لبنان خاصة وأن خمسمائة شخص من أبنائها ينتسبون إلى الجيش اللبناني. كما أن الحكمة تقتضي بابتكار رؤى تبعث الطمأنينة والثقة بين صفوف كل اللبنانيين بالدولة اللبنانية ومؤسساتها الشرعية ولا يكون ذلك إلا عبر ترسيخ العدالة والمساواة بين كافة اللبنانيين تحت سقف القانون. إن ما حصل في عرسال يشكل امتحاناً كبيراً لحكماء لبنان لأنهم في خيار بين أمرين، إما التصدي للفتنة بالحكمة أو النأي بالنفس لصالح الفتنة وحينها سيسقط الهيكل على رأس الجميع. «الحكمة ضالة المؤمن» وعلى اللبنانيين أن يدركوا ذلك خاصة أولئك الذي ينفخون بنار الفتنة في إعلامهم وتصاريحهم وعلى هؤلاء أن يتوقفوا عن قتل شهداء الجيش اللبناني مرتين.