تصدرت أمس، ولليوم الثالث على التوالي، قضية استهداف دورية للجيش اللبناني في بلدة عرسال البقاعية واجهة الاهتمام السياسي، واستمرت تداعياتها الأمنية والسياسية تتفاعل وترمي بوطأتها على مصير اجراء الانتخابات النيابية في موعدها في 9 حزيران (يونيو) المقبل واحتمال تأجيلها مع بلوغ الحملات السياسية بين وزراء ونواب من «التيار الوطني الحر» و «حزب الله» وبين آخرين من تيار «المستقبل» ذروتها في ظل ارتفاع منسوب البحث عن الذرائع لتعليق انجاز العملية الانتخابية. في هذه الأثناء كان لبنان، وخصوصاً البقاع، على موعد مع تشييع جثمان الرائد بيار بشعلاني في مسقطه بلدة المريجات في قضاء زحلة، في موكب حاشد في حضور وزراء ونواب المنطقة وقائد الجيش العماد جان قهوجي الذي أكد في خلال تأبينه «أن معمودية الدم لمواجهة مخطط الفتنة مستمرة ولن نسكت أو نقبل بأي مساومة على دم شهيدينا (الرائد بشعلاني والمعاون ابراهيم زهرمان) ونرفض أي محاولة من أي طرف أتت للتخفيف من وطأة وبشاعة الجريمة التي ارتكبت بحق الجيش عن سابق تصور وتصميم». وفاجأ رئيس الجمهورية ميشال سليمان عائلة الضابط الشهيد بحضوره للتعزية مساء في المريجات، وأكد لوالده جورج بشعلاني ان هناك تصميماً على توقيف المعتدين على الجيش ومحاكمتهم «وكل من يعتدي على الدولة والجيش يجب أن ينال جزاءه في أسرع وقت، ولا أحد يغطيه». وأكد أن «الحق سيأخذ مجراه في أسرع وقت. والمجرمون سيعاقبون شر عقاب». وكان لبنان الرسمي والسياسي انشغل في استيعاب التداعيات الأمنية والسياسية المترتبة على استهداف دورية الجيش في عرسال. فزار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وزارة الدفاع الوطني وقدم تعازيه الى الوزير فايز غصن والعماد قهوجي وكبار الضباط، وأكد أنه أراد الاطلاع شخصياً على ملابسات الحادث الذي حصل وما نتج منه من تداعيات تأخذ أبعاداً مختلفة «إذ بدأنا نشهد نوعاً من الشحن غير المبرر». ولفت ميقاتي الى ضرورة تسليم مطلقي النار على الجيش الى القضاء اللبناني، وقال: «اتفقنا في الاجتماع على سلسلة من الإجراءات ستقوم بها ليكون الحل سريعاً ويضمن الحق لكل الجهات ولا يمكن أن نقبل أن يشعر أي فريق من اللبنانيين بأنه مستهدف»، متمنياً على «الحكماء والعقلاء في عرسال التعاون مع الجيش لجلاء كل هذه الجوانب». وفي هذا السياق توالت الاتصالات بين الرئيس ميقاتي ورئيس كتلة «المستقبل» رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة الذي كان اتصل بكل من العماد قهوجي ومدير المخابرات في الجيش العميد الركن ادمون فاضل ورئيس بلدية عرسال علي الحجيري، داعياً الى التهدئة والتعاون ليكون في وسع القضاء اللبناني جلاء الحقيقة. كما تشاور ميقاتي مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي بدا، بحسب مصادر نيابية، «مستاء من الأجواء السياسية المترتبة على استهداف دورية الجيش ومتخوفاً من احتمال تعطيل دور الجيش وتداعياته على الوضع في الجنوب لما له من دور بالتعاون مع قوات «يونيفيل» لتطبيق القرار 1701». وبالنسبة الى اتصالات السنيورة بميقاتي علمت «الحياة» من مصادر في تيار «المستقبل» أنه أكد وقوفه الى جانب الدولة والجيش وان «المستقبل» لم يتردد يوماً في توفير الغطاء له سواء في احداث نهر البارد أم في غيرها من الحوادث الأمنية المتنقلة وآخرها في طرابلس. ونقلت المصادر عن السنيورة قوله: «نحن مع التحرك الفوري للقضاء اللبناني للتحقيق في ما حصل في عرسال وصولاً الى جلاء الحقيقة بالكامل لكننا ضد ما يسمى انزال العقاب الجماعي بالبلدة»، في رده على ما تناقلته أمس بعض وسائل الإعلام من أن المطلوبين في عرسال بالمئات، داعيا الى «التعاون من أجل خفض منسوب التوتر وهذا يستدعي اجراء تحقيق كامل لجلاء الحقيقة». الى ذلك قال عضو «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي برئاسة العماد ميشال عون وزير الطاقة جبران باسيل أنه «لا يمكن عزل حادثة عرسال عن أحداث الضنية ونهر البارد وقضية شادي المولوي ولا قصة سجن رومية ومطالبة البعض بالإفراج عن الموقوفين الإسلاميين»، فيما رأى نائبا «حزب الله» نواف الموسوي وحسن فضل الله ان حادثة عرسال «ما كانت لتحصل لولا التحريض على الجيش والتجييش ضده وتوفير البيئة الحاضنة لمثل هذا الاعتداء».