كانت المسافة كبيرة بين ماذا نريد ؟ وماذا ننتظر من القمة الإسلامية ؟ وهما المحوران الرئيسيان للندوة التى نظمتها «عكاظ» بمناسبة انعقاد القمة الإسلامية فى العاصمة المصرية اليوم ..ولم تكن المسافة بنفس القدر بين الواقعية والتشاؤم اللذين طغيا على رؤى المشاركين فى الندوة، رغم اختلاف التخصصات والمشارب. ولخصت هذه الرؤى عبارات وردت على لسان المشاركين من قبيل: لا مجال للمجاملات، والدولة التي تعجز، أو ترفض تنفيذ قرار ما لابد أن تعلن ذلك .. وعبارة أخرى تقول: إن المسلمين يتوقفون عند الرغبة فقط أن يتجاوزوا ذلك إلى الإرادة والقدرة. وعبارة ثالثة : القرارت لا تحل الأزمات، ولابد من آلية ملزمة للتنفيذ. الندوة جمعت بين السفير محمد صبيح أمين عام مساعد الجامعة العربية، والسفير جمال بيومي رئيس اتحاد المستثمرين العرب، والدكتور سعد الزنط رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية، والدكتور محمد الشحات الجندي عضو هيئة كبار العلماء، والأمين العام السابق للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، والسفير أحمد الغمراوي مساعد وزير الخارجية، وسفير مصر الأسبق لدى المملكة، والدكتور علاء لطفي رئيس المجلس التصديري للاسثمار العقاري، ولؤي الزغبي نائب رئيس المجلس الثوري السوري. وفيما يلي أهم تفاصيل الندوة : لنبدأ بمحورنا الرئيسي : ماذا يريد المسلمون من قمتهم التى تنعقد في القاهرة اليوم ؟ السفير صبيح : هناك تحديات أمام القمة لابد من البحث عن أساليب جديدة فى التعامل معها سواء كانت القديمة أو المستجدة، والسؤال الذي يطرح نفسه دائما كيف يتم تنفيذ القرارات التى تتخذها القمم الإسلامية؛ لأن القادة كثيرا ما يأخذون القرارات بالإجماع .. لكن يبقى التنفيذ لأنه لو ظل العالم الإسلامى يتعامل مع القرارات بدون تنفيذ سنكون دائما فى نفس خط البداية؛ ولذلك أنا أقول لا تجوز المجاملة فى مثل هذه المؤتمرات. وأطالب القمة بإيجاد آلية لمتابعة قراراتها حتى لا تصبح مثل قرارات أخرى ربما لو نفذت كنا فى حال أفضل مما نحن فيه الآن ، فمثلا كان هناك قرار بدعم القدس ب500 مليون دولار، ورغم أنه ليس رقما كبيرا إلا أنه لم ينفذ ، فى حين هناك رجل أعمال يهودي واحد يتبرع سنويا بمليار دولار من أجل تهويد القدس. لذلك أطالب القمة باتخاذ القرارات وفى نفس الوقت الالتزام بما يتم الاتفاق عليه. القدس أم كابول السفير الغمراوي :الحكومات لا تستطيع تنفيذ قرارات القمم إلا فى حدود إمكانياتها، ولابد أن نعترف بذلك، ونعترف أيضا أن التفكك العربي هو السبب فى عدم تنفيذ قرارات القمم الإسلامية، وإذا نفذت فإنها تكون دون مستوى الآمال والتطلعات. وأعتقد أن الغرب وربما إسرائيل يدفعوننا للاهتمام بقضايا لا تخدمنا لكنها تخدم إسرائيل، ومن يدور فى فلكها، فمثلا المجهود الكبير الذى بذله العرب والمسلمون لإخراج الاتحاد السوفييتى من أفغانستان كانت القضية الفلسطينية أولى به، وأنا كنت حينها سفيرا فى أفغانستان التى شهدت فى اعتقادى أكبر عملية استحصال دولية لأننا كدول إسلامية كان الأجدر أن نجيش الجهود لتحرير القدس بدلا من تحرير كابول، وأنفقنا حوالى 100 مليار دولار أسقطت الاتحاد السوفييتى لتنفرد أمريكا بالعالم ، وبعد تشريد ستة ملايين أفغاني انقلب الأمريكان على المجاهدين فى أفغانستان . يبدو أن الدبلوماسيين تخلوا عن لغتهم الدبلوماسية فأغرقوا في التشاؤم .. ألا يرى السفير بيومي أن ثمة أملا يمكن انتظاره من وراء عقد هذه القمم؟ السفير بيومي : أنا كنت أول الذين طالبوا بدورية القمة العربية لأن انعقاد القمم فى موعدها هو نجاح فى حد ذاته، ووجود 56 دولة إسلامية فى القاهرة يمثل حدثا مهما ، لأن معنى هذا أن الإرادة السياسية موجودة ، لكن يظل تنفيذ القرارات مرتبطا بتقاعس الأجهزة التنفيذية والبيروقراطية و مطلوب من القمة دعم الفلسطينيين الصامدين فى بيوتهم حتى لا يضطروا لبيعها تحت أي ضغط ، وعندما نحاول عمل شيء مشترك مع بعضنا البعض لا بد من اختيار القادر والراغب والمؤهل سياسيا واقتصاديا، وخلال زياراتى المتعددة لفلسطين عندما كنت مسؤولا عن ملف إسرائيل فى الخارجية المصرية كنت أزور عائلات فلسطينية تمثل نموذجا للصمود من أجل البقاء، وإفشال أي مخطط لتهويد القدس . هناك أيضا التعاون الإسلامي فى المجال التكنولوجي والعلمي كيف نعيد تفعيل هذة اللجان لتنفيذ قرارات القمم الإسلامية ؟ السفير بيومي: حين ننتظر نتائج ما لا بد من وجود أهداف، والعمل على تحقيقها ، ليس المهم أن تكون أهدافا كبيرة، لكن يمكن أن نختار أرانب بيضاء أفضل من الأفيال الكبيرة، بمعنى أنه يمكن وضع أهداف صغيرة وعندما تتحقق ننتقل إلى أهداف أكبر، وهذا أفضل من عدم فعل أي شيء على الإطلاق، أو تبني مشروعات وأهدافا كبيرة ولا ينفذ منها شيء . هل ننتظر من القمة الإسلامية الحالية والمقبلة الإعلان مثلاعن تجمع اقتصادي مثلما يحدث فى الكيانات الأخرى؟ السفير بيومي : نحن لا ننتظر ذلك. على الصعيد السياسي ما الذي يعطل أو يحول دون تنفيذ قرارات تؤخذ على أعلى مستوى ؟ الزنط :لابد أن نؤمن بأن قضيتنا كمسلمين كانت ولاتزال القدس والأقصى، ونحن بصدد هذه القضية أو غيرها لابد من أن نفرق بين الرغبة والقدرة وبينهما الإراده السياسية، والمهم أن نستطيع أن نحول الرغبة إلى قدرة ولكن لابد من توفر الإرادة السياسية، والسؤال هو كيف نحول رغباتنا فى عمل إسلامى مشترك إلى قدرة وعمل على الأرض ، مدعوما بإرادة سياسية ولذلك أنا أرى مجازا أن لدينا بعض الأنظمة تحتاج إلى (فياجرا سياسية) لأنها توقفت عند حد الرغبة دون توفر الإرادة ودون القدرة على التنفيذ . الدكتور علاء لطفي: كيف يرى المطلوب من القمة الإسلامية اقتصاديا؟. علاء لطفي : لكي ندعو إلى عمل واقعي وحقيقي لا بد أن نستشهد بحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو بدأ رسالته عند سن الأربعين، ورغم أنه كانت هناك تحديات كثيرة أمامه إلا أنه استطاع توصيل رسالته، ولم يكن معه إلا القرآن الكريم ، والقرآن معنا جميعا، ورغم أن هناك تحديات فإن توافر الإرادة السياسية يمكن أن يتخطى أىة عقبات، ويجب أن نعترف بأن التعاون الاقتصادي بين الدول العربية والإسلامية ما زال دون المستوى، ولا تتجاوز التجارة البينية نسبة 8 في المئة. السفير بيومي ( معترضا) : هذا غير صحيح. العالم العربي حقق طفرة خلال ال15 عاما الماضية فى حجم التبادل التجارى ، فمثلا أوروبا قفزت كأكبر شريك اقتصادى لمصر، وتسبق فى ذلك الولاياتالمتحدة ، وقفز العرب ليحتلوا مكان أمريكا بنسبة 19 في المئة فى حجم التجارة العالمية البينية مع مصر وهذا مؤشر جيد. علاء لطفي : نعم لكن حجم التجارة البينية بين دول الاتحاد الأوروبى تصل إلى 68 في المئة، ونحن فى العالم الإسلامي ما زلنا نعاني من مشكلات انتقال البضائع والسلع عبر الحدود، ولذلك نضطر إلى نقل البضائع بالطائرات بدلا من النقل البري وهذا يرفع التكلفة، وهناك مشكلات أخرى مثل صعوبة الحصول على التأشيرات ، ولذلك أنا أطالب بتسهيل تنقل رجال الأعمال بين الدول الإسلامية ، بالإضافة إلى الاهتمام بالإعلام الإسلامي لأننا لا نعرف الكثير عن مزايا الاستثمار، وفرص التجارة مع الدول الإسلامية لغياب الإعلام القادر على تقديم هذه الحقائق. اسمحوا لنا بالانتقال إلى ملف آخر مطروح على القمة إذ يعاني المسلمون خصوصا من يقيمون فى دول غير إسلامية من ازدراء الأديان والإسلاموفوبيا ؟ وماذا يمكن أن تقدم القمة من آليات عملية للمواجهة؟ الجندي : الحقيقة أن العالم الإسلامى يعاني من مشكلات كثيرة متفجرة منها الوضع فى أفغانستان ومالي والصومال، ولكن هناك مشكلة كبيرة أن المسلمين فى دول كثيرة ومنها الدول الأفريقية يشكلون أغلبية السكان إلا أن رؤساء هذه الدول غير مسلمين فى حين أن أبسط قواعد الديمقراطية تقول إن الرؤساء فى هذه الدول لابد أن يكونوا مسلمين لكننا نفتقد اللوبي الإسلامى المؤثر حتى فى الولاياتالمتحدةالامريكية التى بها ستة ملايين مسلم، وفرنسا التى بها أربعه ملايين مسلم ، وهناك إحصاءات تقول إن المسلمين سيكونون يوما أغلبية فى أوروبا أما الحديث عن ازدراء الأديان والإسلاموفوبيا فيجب أن نعترف بداية أن المسلمين يتحملون قدرا كبيرا من المسؤولية . السوريون يحتاجون السلاح وماذا يمكن أن تقدم القمة للسوريين فى ظل ارتفاع سقف مطالبهم إلى عزل إيران، وتسليح المعارضة ورحيل النظام ؟ الزعبي: لا بد من الإشارة أولا إلى أننى سجنت أكثر من ست سنوات بسبب خطبة جمعة، وأنا من أوائل من دعا للمظاهرات ضد بشار، والشيء المهم أن ما يحدث فى سورية هو ثورة حقيقية تضم كل أطياف الشعب السوري؛ ولذلك من المهم أن يتعامل العالم خاصة العالم الإسلامي مع المعارضة القوية الموجودة على الأرض وليس المعارضة الموجودة فقط فى وسائل الإعلام. إن الشعب السوري بعد عامين من المعاناة والمجازر يحتاج إلى تسليح الثوار بأسلحة نوعية من أجل الإسراع بإسقاط بشار، وإنهاء معاناة الشعب، كما أطالب قادة الدول الإسلامية التعامل مع كافة أطراف المعارضة السورية دون إقصاء. السفير بيومي :أنا أعتقد أن أي تدخل عسكري فى سورية سوف تكون نتائجه وخيمة على كل السوريين ، لأن الدولة الوحيدة الجاهزة للتدخل عسكريا فى سورية الآن هي إسرائيل، ولا يوجد عربي واحد أو مسلم واحد يقبل بذلك. إذا كان ماننتظره والمأمول من القمة متواضعا إلى هذا الحد .. فما هي مطالبنا منها تحديدا ؟ علاء لطفي: لا بد للقمة أن تعمل على تقوية العلاقات الاقتصادية وفق خطط محددة بدءا بأحلام صغيرة ثم يحاسب المسؤولون عن عدم تنفيذها . السفير الغمراوي: علينا أن نبدأ أولا بالقضايا المتفق عليها، وننطلق لتحقيق مستقبل أفضل للشعوب الإسلامية، عبر رؤية وآليات واضحة. الزنط: مطلوب من بعض الدول الإسلامية تغيير رؤيتها التقليدية للمستقبل لأن هناك مخططات غربية كثيرة لا تريد الخير للعالم العربي والإسلامي، وفي الغرب الآن توضع خرائط جديدة للمنطقة يجب الاستعداد لها جيدا. الجندي: أطالب بموقف موحد، ومحدد تجاه المسلمين فى مالي، و مسلمي الروهينجا ، وضروة إكسابهم حق المواطنة من خلال مجموعة من الآليات ومنها: تكليف أمانة منظمة التعاون بإدراج هذه القضية على جدول أعمال الأممالمتحدة. الزغبي: أقول بوضوح لا بد من عدم إقصاء أي فريق من المعارضة، والتعامل مع من يثق فيه الشعب السوري ، وضرورة تسليح المعارضة لإسقاط النظام، والتدخل الخارجي لتخليصنا من مجازر بشار، وتقديم المعونات والإغاثة للشعب السوري فى الداخل والخارج، ولن نقبل بأي حوار قبل أن يتنحي بشار ونظامه