لم يكن أبناء عسير يحتاجون لموقف مثل أحداث جامعة الملك خالد ليتعرفوا به على مدى مؤازرة أمير منطقتهم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد، لقضاياهم، ومدى وقوفه معهم ومناصرة مطالبهم المشروعة، إلا أن الموقف الذي سجل بمداد من ذهب من أعلى مسؤول في المنطقة كان يكرس سياسة الباب المفتوح أمام المطالب المشروعة وهو أحد توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز التي جاءت متضمنة في مقولته الشهيرة مخاطبا المسؤولين: «لا عذر لكم بعد اليوم في تقصير أو تهاون أو إهمال». وإذا كانت عسير مثلها كأي منطقة تتطلع للكثير من الآمال والتطلعات فإنها تحمل على عاتقها العديد من الأعباء والعقبات والعوائق التي يأمل الأهالي في العمل على حلها، لذا كان السؤال الأبرز الذي حرصت «عكاظ» على وضعه أمام سمو أمير المنطقة حول هذه التطلعات وتلك العقبات، ومشاريع الشباب والمرأة المرتقبة والتطور الذي يمكن أن تشهده المنطقة في مختلف المجالات، فكان الحوار التالي: • ينتظر أهل عسير ميزانية المنطقة، فترى ماذا حملت لهم من مشاريع محورية مهمة؟ الأرقام التي خرجت بها الميزانية هذا العام والأعوام السابقة تاريخية بكل المقاييس، وفيها من الاستثمار في بناء الإنسان وتحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي له ما يفوق الوصف، وهذه الميزانية دليل واضح على إيمان القيادة بضرورة استمرار بناء الإنسان كونه حجر الزاوية في معادلة التنمية الحقيقية. وكما يعلم الجميع فإن استمرار إنفاق الدولة بهذا الحجم في ظل الركود الذي يهدد اقتصاديات العالم يهدف إلى جانب بناء الإنسان تحريك الاقتصاد المحلي لتطوير البنيات التحتية البشرية والمادية. والمشاريع في منطقة عسير لم تتوقف، ولكوننا مطلعين على الأرقام وحقائق المشاريع الجاري تنفيذها نقول ومن موقع المسؤولية إن المنطقة لم تشهد طوال تاريخها ما تشهده الآن من رحلة بناء شملت جميع الجوانب الحيوية، كالمستشفيات، والمدن الجامعية، والطرق، ومؤسسات الإعانة الاجتماعية، واستنهاض الكفاءات البشرية، وهذه المشاريع التي تربو على 30 مليار ريال سترى النور خلال السنوات القليلة المقبلة، وبعضها يتم وضع اللمسات الأخيرة عليه ليستفيد منه المواطن. • ولكن البعض لا يعرف عن هذه المشاريع؟ هذه مسؤولية الجهات المنفذة لهذه المشاريع سواء الوزارات الموجودة في الرياض أو أفرعها في المنطقة، وقد قال خادم الحرمين الشريفين عقب إعلان الميزانية مخاطباً الوزراء «لا عذر لكم بعد اليوم في تقصير أو تهاون أو إهمال، واعلموا أنكم مسؤولون أمام الله -جل جلاله- ثم أمامنا عن أي تقصير يضر باستراتيجية الدولة التي أشرنا إليها، وعلى كل وزير ومسؤول أن يظهر من خلال الإعلام ليشرح ما يخص قطاعه بشكل مفصل ودقيق». ونحن في عسير سنعمل على إعلان هذه الميزانيات مفصلة بالأرقام ومقيدة بالبرنامج الزمني المحدد لها كي يطلع المواطن في عسير على هذه الأموال التي تحرص القيادة على إنفاقها لبناء الإنسان السعودي في كل مكان. تحت الرقابة • هل ترى سمو الأمير أن شركاءك من المسؤولين في المنطقة على مستوى التطلعات التي يأملها المواطن؟ لا شك أن هناك بعض الجهود المبذولة من قبلهم لا ترتقي إلى مستوى المأمول ولكنهم يبذلون جهداً ويعملون بتفان، كل حسب قدرته وطاقته ومهارته، ولكن المؤكد أن التقصير في خدمة المواطن غير مقبول، وعندما يقصر أي شخص في مسؤولياته عمداً، أو تهاوناً، أو تراخياً، فهو بذلك لا يستحق المكان الذي هو فيه، وبالتالي فالتفكير في تغييره أمر وارد، ولدينا جهات رقابية تنفذ ما يطلب منها، وترفع تقارير غاية في الدقة والموضوعية، وعلى ذلك فإن اتخاذ أي قرار يخص زيادة الإنتاجية أو تقديم خدمات ميدانية أمر يسير في ظل توافر هذه المعطيات، ورسالتنا لشركائنا - وما نراهم إلا كذلك - في تقديم الخدمة لأبناء المنطقة في السهل والجبل: أن يراقبوا الله، وأن يقدموا كل ما يجب في وقته ومكانه المناسبين. • لكن البعض يتحدث عن ضعف الإمكانيات، إما من وزاراتهم أو فريق عملهم؟ الدولة لم تدخر جهداً في سبيل تنمية الوطن والمواطن والأموال - ولله الحمد - متوفرة وتتبقى الإدارة الفاعلة التي ترصد الواقع وتستشرف المستقبل وتبني عليه خططاً وبرامج تخدم الإنسان وتيسر له حياته وسبل عيشه. • تظهر سمو الأمير الإحصائيات والأرقام أن الشباب في المنطقة هم الأكثر عدداً من حيث السكان، فهل من خطة لاستثمار طاقاتهم الدفينة؟ إمارة عسير بدأت منذ فترة طويلة في استثمار طاقات الشباب وإشراكهم بشكل مباشر في صناعة القرار ورسم سياسات المنطقة، لأننا كموظفين ومسؤولين لم نوضع في هذه المواقع إلا لخدمة المواطن، ونحن نتقاضى إزاء ذلك أجراً ومسؤولون أمام الله، ثم أمام ولي الأمر عن ذلك، وكما قلت لك لدينا مجلس لشباب المنطقة تحول بفضل طريقة إدارته إلى ورشة عمل تستخلص منها الأفكار والمشروعات والبرامج التي تعنى بالمنطقة وشبابها. وقد بدأنا في تنفيذ دورات تدريبية تعنى بشباب المنطقة، وصقل مواهبهم وتنميتها للارتقاء بهم نحو آفاق أوسع من التنمية الذاتية، وكما قلت فإن أهم مرتكز يمكن البناء عليه في تطوير أدوات الاتصال لدى الشباب لا سيما وأن الجميع في سباق محموم مع الأمم الأخرى بتسليح الشباب بالمعرفة والمهارات اللازمة للتعامل مع متغيرات العصر وفي مجال المال والأعمال الذي يقتضي الإلمام بجميع فنون التواصل مع الآخر والتدريب عليها، كما يعلم الجميع أن الدولة مسؤولة مسؤولية تامة بالعناية بكافة شرائح المجتمع وخصوصاً شريحة الشباب والتي تمثل الجزء الأكبر لهذا البلد المبارك والتي تبني بسواعدها هذا الكيان العظيم إضافة إلى مسؤوليتها عن توفير بيئة تعليمية جاذبة مجانية وتوفير الوظائف في القطاعين إضافة إلى السكن الملائم والرعاية الصحية المجانية والتي هي من حقوق المواطن. • ولكن ماذا عن شابات المنطقة؟ أود التأكيد بأننا لا نفرق بين الشباب والشابات فجميعهم يمتلك الروح والحس الوطني العالي والرغبة الصادقة في معاضدة مسيرة التنمية والنهوض بالبرامج وتقديم العمل الجاد، ونحن مصممون ولدينا برامج طموحة وفاعلة لإشراك شباب المنطقة في كل قرار يتم اتخاذه، وغايتنا من ذلك دفعهم نحو الأمام وجعلهم أفراداً ناجحين ومنتجين، وهناك العديد من البرامج التي سيعلن عنها قريبا تعنى بشابات المنطقة وتمس اهتماماتهن بشكل مباشر. أحداث الجامعة • قبل عام تقريباً، انحاز سموكم إلى مطالب الطلاب في أحداث التجمعات التي شهدتها جامعة الملك خالد، بل وصفتم مطالبهم بالمشروعة في موقف نادر من أعلى مسؤول في المنطقة، ربما الأحداث حاليا أصبحت جزءا من الماضى، ولكن ماذا تم بشأن طلاب الجامعة خلال 360 يوماً مضت؟ أولا: انحيازي إلى أبنائي طلاب وطالبات الجامعة هو موقف المسؤول المدرك لحقيقة الأمر، فعندما وجدنا ملاحظاتهم منطقية، ومطالبهم مشروعة وقفنا مع الحق والعدل، وثابرنا من أجل تحقيق كل ما طالبوا به، ونحن اليوم ندعو «عكاظ» أن تتوجه إلى الجامعة لتشاهد ما تحقق من إصلاحات وتستمع إلى صوت الطلاب والطالبات. ثانياً: ما تحقق هو بداية سلسلة من المعالجات المهمة تشمل أفرع للجامعة في كافة المحافظات وحتى المراكز الكبيرة وفق برنامج زمني محدد، وكذلك استحداث كليات يحتاج إليها سوق العمل، وفتح المجال أمام أبناء المنطقة الراغبين في مواصلة تحصيلهم العلمي، وكذلك تقديم برامج مفيدة للمجتمع فالجامعة اعتمد لها أكثر من 3 مليارات ريال، وبالتالي فإن هناك جهدا كبيرا يجب أن يبذل لكي يستطيع ابن وبنت المنطقة الحصول على التعليم العالي في جميع مجالاته بيسر وسهولة ودون عناء. التعديات على الأراضي • بحسب مراقبين، تعاني المنطقة من كثرة التعديات والاعتداءات على الأراضي البيضاء، وفي الغالب ينتج عنها مشاكل وعوائق وجرائم في بعض الأحيان، ما حقيقة الموقف؟ لا أعتقد أن الأمر كما يصوره البعض، فهذه المنطقة لها تركيبة سكانية معينة نعتز بها، وتحمل العديد من القيم والمبادئ التي نفاخر بها، والأملاك المتوارثة أباً عن جد ولا يستطيع أي أحد كان أن يعتدي عليها، وأما الأراضي المخصصة للدولة والمحمية بموجب الأنظمة فهي معروفة ولا أعتقد أن المواطنين يعتدون عليها إلا من قبل فئة قليلة من ضعاف النفوس. وأريد أن أذكر للقارئ حقيقة وهي أن أبناء المنطقة يبادرون إلى التنازل عن أراضي لهم لإقامة مشاريع تعليمية أو صحية أو خدمية عليها، وهو أمر رائع يستحقون عليه الشكر والتقدير، ولولا هذا التعاون لما شاهدنا مئات المشاريع في كل مكان في هذه المنطقة الواعدة، الكبيرة بإنسانها، وشموخها، وإرثها، وحضارتها. جرائم المتسللين • أثارت لقطات فيديو تبثها مواقع التواصل الاجتماعي الدهشة عندما نشرت صوراً لمتسللين يتاجرون في العرق والمخدرات بعيداً عن الرقابة الأمنية، الأمر الذي يشكل خطراً داهماً على السكان، كيف ترون معالجة ذلك؟ المتسللون الذين ينتشرون في جبال المنطقة ويتركزون في مواقع محددة، ليسوا بعيدين عن الرقابة كما تعتقد، وسلطات الأمن في المنطقة تقوم بدور محوري ومهم في تتبعهم والقبض عليهم وترحيلهم، وهناك تعاون كبير بين رجال الأمن من جانب، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجوازات من جانب آخر، وقد أثمر هذا التعاون في ترحيل عشرات الآلاف منهم، ونحن عاقدون العزم ومصممون على تخليص المنطقة منهم ومن شرورهم، وهذه واحدة من الملفات التي تتابع من قبل إمارة المنطقة بعناية بالغة واهتمام متواصل، والعلاج المتفق عليه لإنهاء الأمر يعتمد على التدرج وفق رؤية محددة، كما أريد التطرق لنقطة مهمة وهي إن معدل الجريمة منخفض تماماً في المنطقة طبقاً للأرقام والإحصائيات التي نطلع عليها وهي موجودة لدى الأمن العام نتيجة اليقظة الأمنية والأمن الوقائي الاستباقي. • ولكن كيف يتسلل هؤلاء سمو الأمير؟ المملكة العربية السعودية تربطها حدود طويلة مع دولة اليمن، وبالتالي ورغم الجهود التي تبذل من قبل حرس الحدود ودورياته إلا أن هؤلاء وبما لديهم من قدرة جسمية يستغلون الظروف الجبلية ويتسللون تحت ستار الليل البهيم حتى يصلوا إلى عسير، وهنا يطيب لهم المقام بفعل تسامح أبناء المنطقة ولطفهم وهو ما لا يجب أن يكون، فأنا أدعو كل أبناء عسير إلى عدم إيواء هؤلاء فهم مخالفون لأنظمة الإقامة ومتخلفون ويقفون وراء كثير من القضايا الجنائية من سرقات وسطو وترويج للخمور، فالمواطن هو رجل أمن في المقام الأول وعليه أن يتصدى لهؤلاء بكل قوة وحزم، أما من يخون وطنه ويتعاون مع هؤلاء المتسللين فسوف تطبق في حقه العقوبات الصارمة دون تهاون أو شفقة. دعم النساء • دفع خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله بالمرأة إلى مواقع قيادية مهمة، واليوم هي عضوة في مجلس الشورى، كيف تقرأ هذا سمو الأمير، وماذا لديكم من تفاصيل تخص فتاة المنطقة؟ الاهتمام والرعاية والدعم الذي تحظى به المرأة بشكل مباشر من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله- أسهم بشكل فعال في دفع المرأة السعودية نحو عالم الإبداع لتتخطى بذلك جميع التوقعات، وانضمامها إلى أخيها الرجل تحت قبة الشورى إضافة حقيقية للمجلس، وهي بذلك ستحقق نقلة نوعية في أداء وإسهامات المجلس، فقد تفوقت المرأة السعودية في كثير من الميادين ونشرت إبداعاتها في أصقاع المعمورة، ولكن الطريق ما زال أمام المرأة طويل لتنجز وتبدع، ونحن في منطقة عسير سنقف معها يداً بيد دعماً ومشورة لتطويرها كل يوم عن ذي قبل، وسنتجاهل كل النداءات القائلة بحسرها في نطاق ضيق، لإيماننا الكامل بقواها وقدرتها على تجاوز جميع العقبات وتخطي المألوف لتنهض بنفسها ووطنها نحو آفاق التفوق والتميز الذي هي أهل له والوطن يستحقه.