المجمعة، قاعدة المحافظة، وعاصمة إقليم سدير الذي هو جزء من اليمامة القديمة، وهي إحدى محافظات منطقة الرياض، تقع شمال العاصمة وتمتد حدودها حتى منطقة القصيم من الناحية الغربية وتضم حوالي 001 مدينة وقرية وهجرة.. هذه المدينة تحتوي على الكثير من الآثار والمواقع التي تمتد جذورها في التاريخ مثل قلعة «منيخ» التي يتربع عليها المرقب، أحد المعالم البارزة القديمة منذ مئات السنين، ومن معالمها مدرسة الشيخ أحمد الصائغ التي تخرج فيها الكثير من العلماء والقضاة الذين استعان بهم الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه، أيام تأسيس وبناء هذه الدولة. في هذا الحوار مع المؤرخ حمود بن عبدالعزيز المزيني نتعرف على بعض ملامح المجمعة وتاريخها ورجالها ومساهمتهم في بناء الدولة: أرى أنه من المناسب، أستاذ حمود، أن يكون مدخلنا لهذا الحوار نظرة عامة على تاريخ المنطقة فماذا تقول؟ في البدء أحييك وأحيي عكاظ، الصحيفة المهمومة بقضايا الوطن وما يشغل أهله. ثم أقول إن مدينة المجمعة هي قاعدة المحافظة وهي عاصمة سدير الذي هو جزء من إقليم اليمامة القديمة. وقد عرفت منذ القدم بدورها العلمي ومشاركة أبنائها في نهضة الوطن. وكانت مدارس الشيخ الصائغ أشبه ما تكون بالجامعة لكثرة الذين التحقوا بها ويتخرجون فيها. ومن معالم هذه البلد ومفاخرها القصر الذي بناه مؤسس هذا الكيان الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - في العام 1335 ه. البيئة العلمية وكما قلت فإن بيئة هذه المدينة كانت مركز إشعاع علمي قبل التعليم النظامي وكأنها «جامعة للشريعة واللغة العربية» تخرج القضاة والمعلمين الذين انتشروا في مناطق المملكة المختلفة، فإلى المدينةالمنورة ذهب الشيخ عبدالعزيز ين صالح، وإلى مكة الشيخ عبدالله بن حمدان، وفي أبها الشيخ عبدالله بن إسماعيل وفي الشمال الشيخ عبدالله بن سويح، وفي الرياض الشيخ حمد بن فريد.. وهكذا انتشر القضاة من أبناء المجمعة في الوقت الذي لم يكن فيه من المؤسسات العلمية ما يؤهل هذا العدد من القضاة ليخدم الدولة ويقوم بواجبات القضاء في مختلف المناطق. هذا من الناحية التعليمية، أما من الناحية التاريخية فمدينة المجمعة مدينة قديمة تقع على وادي المشقر، وهذا الوادي القديم ذكره الكثير من المؤرخين والجغرافيين والبلدانيين القدماء فيقول عنه الهمداني في تاريخه: «تأتي شمال اليمامة فترد (أوشي) كأنك تريد تريد البصرة فترد منيخ»، وهما البلدتان اللتان تقع المجمعة في مكانها اليوم. وهذا كان في القرن الثالث الهجري أي قبل أكثر من 1100 عام، ولكن البلدان تتغير وتتطور مع عوامل الزمن والقحط والحروب في تلك الأزمنة التي تدفع الناس إلى الهجرة ثم العودة مع الاستقرار والرخاء.. وقد برز الاسم الحالي لهذه المدينة في القرن التاسع الهجري لتعيش تطورا مستمرا حتى أصبحت قاعدة لهذا الإقليم الذي يعد القسم الشمالي من إقليم اليمامة القديم. الحياة العلمية هذه البيئة العلمية التي وصفتموها «بالجامعة» ما دورها في الحياة العلمية في المنطقة؟ ومن أبرز أبنائها؟ المجمعة برز فيها كثير من العلماء والمشاهير على سبيل المثال الشيخ عبدالله سيف الذي انتقل إلى المدينةالمنورة واستقر فيها. وهو أحد المشايخ الذين درس عليهم المجدد الشيخ محمد بن عبدالوهاب. وقال عنه «دخلت عليه يوما فقال لي أريد أن أريك سلاحا أعددناه للمجمعة فقلت: نعم أرني هذا السلاح، فأدخلني بيتا فيه كتب كثيرة، وقال هذا هو السلاح الذي أعددناه للمجمعة»، هذا كلام تم قبل أكثر من 300 عام. وقد برز في هذه المدينة عدد من العلماء والقضاة كالشيخ محمد بن عبدالعزيز العتيقي الذي شارك في تسليم مدينة جدة للملك عبدالعزيز. وكان نائبا للملك فيصل في الحجاز واشترك في أول مجلس شورى أنشأه الملك عبدالعزيز في مكةالمكرمة، وهو من العلماء المشهورين، وكان له يد في التعليم حيث افتتح مدرسة المجمعة ونسبت إليه. وكان قبل مشاركته مع الملك عبدالعزيز من أوائل الذين اهتموا بالتعليم الحديث في الخليج، كما ذكر ذلك الشيخ حمد الجاسر، حيث خدم مسؤولية التعليم في البحرين وافتتح بعض المدارس ثم ذهب إلى الكويت وافتتح مدرسة هناك. ومن المعاصرين الشيخ عبدالعزيز التويجري العلم المعروف في السياسة والأدب والتعليم، رجل الدولة الذي تجاوزت شهرته بلده، والشيخ محمد بن جبرين رئيس مجلس الشورى الأسبق والشيخ عثمان الصالح المربي المعروف.. هذه نماذج مشرفة من أعلام المجتمع ولو أردت التوسع لسردت عليك الكثير. الواقع الفكري والأدبي ماذا عن الوضع الأدبي والثقافي في المجمعة هذه الأيام؟ أولا سأبدأ بمسيرة التعليم، فالمجمعة بلد علم منذ القدم، وقد ذكرت لك ذلك، وهي مستمرة على النهج ومتمسكة بهذا التراث، فقد كانت تخرج العلماء والقضاة الذين قاموا بوظيفة القضاء، المهمة الأساسية لكل مجتمع إنساني متحضر حتى وصل أحدهم إلى عُمان مثل الشيخ عبدالجبار في زمن الدولة السعودية الأولى.. نتيجة لهذا التراث الممتد قدر الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، جهود أبناء هذه المدينة فكانت من أوائل المدن التي افتتحت بها مدرسة نظامية، المدرسة السعودية العام 1356ه أي قبل 90 عاما من الآن فهي من أوائل البلدان النجدية التي احتضنت التعليم النظامي تقديرا لمكانتها، وقد شارك أبناؤها في إدارة الدولة وقامت على سواعدهم الكثير من الوزارات. ومن هنا نقول «إن الحركة الثقافية في المجمعة مرتبطة بالحركة التعليمية.. وقد تأسس فيها ناد ثقافي وأدبي في السبعينات الهجرية من القرن الماضي اسمه «نادي الشباب الثقافي»، وكان يتولى تنظيم الأمسيات والمحاضرات الثقافية بموازاة مع ما تقوم به الكتاتيب والتعليم الديني، فالنادي ينظم الأمسيات الثقافية واللقاءات الشعرية، وكان هذا جديدا على المجتمع الذي اعتاد على التعليم الديني المستمر على وتيرة واحدة لمئات السنين. وكانت المجمعة الحديثة تحتفي بالثقافة والمثقفين حيث يصلها الجديد من خلال الصحف والمجلات الآتية من مصر والشام والكويت في أوقات ما كانت تصل إلى الكثير من مدن المنطقة الوسطى». وكان في المجمعة في أواخر عهد الملك عبدالعزيز مطار، وكان أحد منافذ التواصل ووسيلة لوصول الصحف الصادرة في الحجاز ك «أم القرى» وغيرها، إضافة إلى مجلات وصحف الكويت التي كانت رائدة في نشر الثقافة في المنطقة، ونظرا لقرب المجمعة من الكويت كان التواصل الثقافي مستمرا، ومجلة «العربي» كانت مصدرا للتثقيف في منطقتنا وبعض الصحف المصرية و«البيان» ومجلة رشيد رضا «المنار». استمرت هذه المسيرة إلى أن قامت في المنطقة الأندية الرياضية بدور ملحوظ في أداء مهمة التثقيف، فبعد النادي الأدبي في بداية السبعينيات الهجرية، برزت الأندية الرياضية مثل النادي الأهلي ونادي الشباب ونادي الوحدة، عدة أندية كانت تمارس الرياضة وتقوم بالدور الثقافي في ذلك الحين من خلال الحفلات المسرحية والأمسيات الشعرية والثقافية وإصدار المجلات على مستوى المحافظة.. وكانت هذه الأندية الرياضية منابع للثقافة، ثم جاءت الطفرة فانتشرت مدارس التعليم العام على مختلف مراحله مع التوسع في إنشاء الكليات العامة والخاصة. وبلغت المجمعة مرحلة مرموقة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، متعه الله بالصحة والعافية، فقد تم افتتاح جامعة المجمعة التي تخدم منطقة واسعة وتضم عددا من الكليات في مختلف التخصصات العلمية والأدبية. دور المرأة أستاذ حمود، في استعراض تاريخ المجمعة ودورها العلمي ورموزها لم يرد ذكر أي للمرأة وهي، كما يقال، نصف المجتمع فهل من تعليل لذلك؟ المرأة كان لها نصيبها في التعليم منذ القدم، أي التعليم غير النظامي (المعروف بالكتاتيب) وكان في المجمعة الكثير من المعلمات اللاتي تركن أثرا في التعليم وخلد أبناء المنطقة أسماءهن أمثال المعلمات: نورة الشارخ، حصة المطوع، نورة المطوع، حصة الشبانة، نورة المزيني، والجوهرة الثابت وغيرهن، وإلى جانب هذه الأسماء هناك العديدات اللاتي كن يقمن بجهود ذاتية لتعليم الفتيات حتى افتتاح التعليم النظامي الذي دخل المجمعة العام 1381. ولا تنسى أن الشيخ عبدالعزيز التويجري، رحمه الله، كانت له مطالبات بافتتاح مدرسة للبنات، ولو خاصة، قبل البدء في تعليم البنات النظامي. وقد أرسل خطابا إلى مفتي المملكة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ يستأذنه في افتتاح مدرسة. وكان رد الشيخ إيجابيا، وقال: «هذا شيء طيب لكن نظام تعليم البنات على الأبواب». وبالفعل تم افتتاح مدرسة البنات بعد ذلك بسنتين، والآن الحمد لله تعليم البنات عم المملكة. صورة الفن في المجمعة في حديثك عن التاريخ والأدب والذوق لم تتطرق إلى الجانب الفني في حياة أهل مجمعة، وأنت الأديب المحب «للسماع»، فهل هذا جانب «ضامر» في خريطة تراثها؟ الفن بشكل عام في منطقتنا المحافظة - نجد بشكل خاص – محارب منذ القدم، وإن خفت النزعة ضده، لأن الفكر السائد على رأي معين ينظر إلى الفن نظرة سلبية، فكان هذا من أسباب ضمور الفن في المنطقة وهجرة الفنانين وأصحاب الفكر في هذا المجال إلى الكويت والبحرين، وفي وقت من الأوقات عرفت هجرة أبناء المنطقة إلى الزبير. ففن نجد سواء السامري أو العزف على العود أو جر الربابة، وجد متنفسا في الخليج فنجد كثيرا من ألحان أهل نجد وكلماتهم الصميمة وقصائدهم تغنى هناك. ومع كل ذلك لم يمنع ضمور الفن في المنطقة، بقاء جذوره فيظهر تارة ويخبو تارة أخرى. هل تحضرك أمثلة لنصوص هاجرت أو فنانين ذهبوا إلى المناطق التي ذكرتها؟ - مثلا الشاعر محمد بن لعبون، وهو من أبناء المنطقة وصاحب «اللعبونيات» لم ينشر شعره الغنائي الغزلي إلا في الزبير والكويت، والكثير من قصائد أهل نجد الغزلية تغنى هناك. ويوجد فنانون في المنطقة يعتبر فنهم تقليدا لبعض المشاهير مثل سلامة العبد، وحجاب بن نحيت وعيسى الإحسائي، فقد ظلوا مقلدين لأن المجال والمناخ أمامهم لا يشجع على الإبداع والابتكار في المجال الفني. لكن الآن الوضع تغير كثيرا بعد انفجار المعلومات وثورة الاتصالات التي وسعت المدارك وفتحت المجال للرأي الآخر واكتشف الناس أن هناك رأيا آخر لا يعادي الفن. قصائد نسائية شيخ حمود وأنت المؤرخ العارف بتاريخ وثقافة المنطقة، لم تعثر على صوت نسائي فني في هذه الآفاق التي تحدثت عنها؟ - أنا شخصيا لم أعثر على صوت نسائي في هذه المنطقة لكن تعرفت على قصائد نسائية غزلية، وعلينا أن نقدر أنه صعب في هذه البيئة المحافظة أن يحتفى بصوت نسائي غنائي، لكن المؤكد أن النساء، في المنطقة، كان لهن شعر غزلي مغنى لكن طبيعة المجتمع والسائد من المفاهيم الثقافية أبقى هذا المنتج «مغمورا».