في قمة جبل الهدا، وفي منزل خاص يتسم بالهدوء والأريحية يمضي مدير جامعة أم القرى الأسبق الدكتور عدنان بن محمد الوزان وقته حيث يلتقي زملاء الدراسة ويتفرغ للبحث العلمي والتأليف فيما يعود لمكةالمكرمة بين الفينة والأخرى للمشاركة في مناسبات اجتماعية مكية متنوعة فالدكتور الوزان، نشأ وترعرع في جوار المسجد الحرام وتشبع بعبق الروحانية من أطهر البقاع، درس في حلقة النظامية وحفظ القرآن الكريم، وكان ملازماً للمشايخ والعلماء منذ نعومة أظفاره، بالإضافة إلى أن كفاحه ونضاله في هذه الحياة مكنه من كسب ثقة ولاة الأمر، حيث تدرج في عدة مناصب . فعن مولده ونشأته يقول الدكتور عدنان وزان: «ولدت بمكةالمكرمة فجر يوم الخميس 1/1/1371ه كما أخبرتني والدتي رحمها الله، ونشأت في مكةالمكرمة حيث بيوتنا مجاورة للمسجد الحرام بزقاق الكندرة المشرف على باب المروة مباشرة، وكان آخر منزل لنا أزيل في توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للساحات الشمالية وهو مطل أيضا على باب المروة ونشأت في ذلك الحي الصغير المؤدي إلى شارع مكةالمكرمة الرئيسي شارع المدعى وهو شارع التجار ومركز للأعمال التجارية ويحيط بنا بيت الله الحرام وبيوت العلماء والفقهاء والأعيان والتي تفوح نفوسهم بعطر العلم ورياحين الأدب وسلوك الخير وكنت في صغري أستمتع بالجلوس في حصوات المسجد الحرام وكنا نساعد في فرش مدات الصلوات ووضع دوارق ماء زمزم الفخارية للمصلين قبل صلاة المغرب وكنا نجلس إلى معلمينا نتعلم قواعد تلاوة القرآن: (القاعدة البغدادية)، وقواعد القراءة: (الهجاء وحروفه ومخارجه ورسمه) حتى يؤذن لصلاة العشاء. فينصرف الجميع إلى المنازل ، وقبل الوصول إليها تلبى مطالبنا لشراء أنواع من الحلوى البلدي: (اللبنية، واللدو، والهريسة والمفروكة )والشريك بأنواعه لكي تزين بها مائدة طعام العشاء. بداية التعليم وعن بداية الدراسة كيف كانت ومن هم زملاء المرحلة الابتدائية قال الدكتور وزان: «بدأت التعليم في المسجد الحرام عند بعض المشايخ بتعلم حروف الهجاء والقراءة والكتابة وحفظ سور من القرآن الكريم وتجويده والحساب والإملاء إلى أن التحقت بالمدرسة الابتدائية وانتظمت في سلك التعليم العام حتى إتمامه والتحاقي بالجامعة فمواصلة الدراسات العليا وأذكر من زملائي في المرحلة الابتدائية الأستاذ حسن محمد نوح رجل أعمال والأستاذ يوسف محمد نور بتاوي موظف حكومي والأستاذ عبدالصمد فلمبان مدرس وغيرهم آخرون. ثم أمضيت المراحل التعليمية التي تلت المرحلة الابتدائية بمكةالمكرمة فالمتوسطة التي كانت بالمدرسة الرحمانية والثانوية بالمدرسة العزيزية ثم أكملت دراستي العليا في بريطانيا بجامعة أدنبرا في مقاطعه إسكتلندا، والتحقت لدراسة الأدب الإنجليزي المقارن (إنجليزي - عربي - فرنسي ) وسجلت كطالب دراسات عليا تحت الإشراف الأكاديمي، وهو نظام تعمل به بعض الجامعات البريطانية ويعد الدارس خلالها خطة بحثية ومشروع رسالة يقدم بعدها فصلاً مكتوباً للمشروع ينظر من لجنة الدراسات العليا بالكلية ويترتب على ذلك أحد الأمور، إما أن يعتذر للطالب عن استمراره في الدراسة لعدم كفاءته وأدائه لمتطلبات الجامعة وسمعتها العلمية، أو أن يكون مستوى البحث يؤهله لدراسة الماجستير فقط، أو أن يجاز البحث ليؤهله لدراسة الدكتوراه مباشرة. زواج الثانوية وعن حياته الأسرية قال: «تزوجت وأنا في التاسعة عشرة من عمري بعد انتهاء المرحلة الثانوية، وبحمد الله وتوفيقه وأكملنا أنا وزوجتي سوياً مشوارنا التعليمي الجامعي والعالي بين المملكة والمملكة المتحدة ورزقنا بحمد الله بأربع بنات البتول أستاذة الدراسات الإسلامية، وملاك أستاذة اللغة الإنجليزية بمحافظة جدة وهناء تعد رسالة الدكتوراه بجامعة أم القرى في موضوع هندسة الديكور والتصميم الداخلي ومها أخصائية التغذية وتدرس الماجستير في التغذية العلاجية بجامعة الملك عبدالعزيز، ولقد كان زواجنا بسيطاً غير مكلف تم فيه تحقيق أركان الزواج الشرعية وآداب وليمة العرس وسط فرح وسرور بين الأهل والأصدقاء والأحبة من طرف أسرتينا. ضعف التأهيل وحول نقطة تحول رئيسية مر بها الدكتور الوزان قال: «نقطة التحول الرئيسية التي واجهتني في حياتي، وما صدمت به أنا وغيري عند ذهابنا للدراسات العليا خارج المملكة، فهناك بعض الزملاء رغبوا مواصلة دراستهم العليا في الرياضيات وآخرون في الفيزياء وفي اللغة الإنجليزية وآدابها، فاتضح لكثير منا أن تأهيلنا للبكالوريوس طيلة أربعة أعوام وما حصلنا عليه من تميز ومراتب شرف عليا لا يساوى ما يدرس في أوروبا وأمريكا واليابان سوى فصل دراسي واحد، بل حتى في بعض الدول العربية لقوة مستوى التعليم: (مناهج ومقررات)، وضبط وأداء، ومازال الأمر كذلك في التعليم العام والتعليم العالي، وهذه كلمة إخلاص أقولها ديناً وأمانة ووطنية وهي كلمة محسوبة عند الله قبل أن تكون محسوبة عند عباد الله الذي يعلم السر وأخفي وبسبب ضعف التأهيل العلمي فكثير من الزملاء المبتعثين تحول إلى دراسة تخصصات المناهج وطرق التدريس والعلوم التربوية بدلاً من دراسة التخصصات البحتة وهذا في الحقيقة جعل حياتي تتحول إلى التركيز على التعمق في التعليم والبحث العلمي والمتابعة العلمية مما لاحظته من شدة الولع والمتابعة للعلم في أوربا وأمريكا والصين واليابان. كفاح وعمل ويروي الدكتور الوزان مسيرته العملية قائلا: «تخرجت بالشهادة الجامعية بكالوريوس لغة إنجليزية وآدابها (تربية)عام 1395ه - 1975م، والتحقت معلماً للغة الإنجليزية بمدرسة الملك فيصل النموذجية بمكةالمكرمة وكان مديرها آنذاك الأستاذ زاهد إبراهيم قدسي المربي القدير والإعلامي الرياضي المعروف -رحمه الله- ، وكانت فترة مميزة رغم قصرها، إذ بعد بضعة شهور انتقلت معيداً في الجامعة لمواصلة الدراسات العليا عندما تسلمت أول راتب لي كان للبر فيه أكبر نصيب فقدمت جزءا منه لوالدتي وجزءا لعمتي شقيقة والدي التي كانت ترعاني وربتني في منزل والدي لأنها كانت أرملة تعيش معنا ومع جدي رحمهم الله وجزءا منه قدمته لزوجتي، وتصدقت بجزء يسير منه شكراً لله، وبقي الذي بقي وكان كامل الراتب آنذاك ألفا وخمسمائة ريال تقريباً. والحال ميسور ولله الحمد فأنا أسكن في شقه مجانية في إحدى دور والدي ولا أتكلف مصاريف الفواتير فضلاً عن إيجار السكن. ذكريات وخبرات وما تزال ذاكرة الدكتور الوزان مثخنة بالعديد من المواقف التي لا تنسى في محطات حياته العملية حيث يستطرد القول: «كانت فترة عملي في وزارة الشؤون الإسلامية مليئة بالخبرة العملية في الجوانب الدعوية والإدارية، واتسمت بمشاركات في ترجمات معاني القرآن الكريم، وترجمة بعض الكتب المفيدة لعلماء الأمة الإسلامية من السلف، والعمل في كتاب سلسلة المسلمون في العالم، فضلاً عن تقديم التوصيات للمعونات والمساعدات لمحتاجيها في دول العالم من خلال المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الذي كان يرأسه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله رحمة الأبرار ، وكذا العمل في برنامج خدمة ضيوف الرحمن من الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفيتي السابق، وكان ذلك البرنامج بدعم من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -وعلى نفقته الخاصة - رحمه الله وأسكنه فسيح الجنان- وقد استمر البرنامج في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز رعاه الله وبارك فيه وقد حصلت على خبرة حقيقية عن تعاملات الناس فيما بينهم ومع الآخرين ونظرتهم إليهم. وسبق أن عملت بالجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة حين صدرت موافقة سامية كريمة من الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله في عام 1400ه بإنشاء بعض الكليات التطبيقية والعملية للجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة من ضمنها إنشاء كلية اللغات والترجمة، وكان نائب رئيس الجامعة حينها فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالله الزايد، وكان يسعى إلى استقطاب القدرات العلمية لتلك الكليات، وقد رشحني لديه آنذاك الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ وزير التعليم العالي لأن أكون عميداً لكلية اللغات والترجمة، وبدأت العمل في الكلية بالإعداد والتجهيز واستقطاب أعضاء الهيئة التدريسية. وشاء الله سبحانه وتعالى أن يوقف العمل بالكلية، وقد أمضيت فيها بضعة أشهر، ثم عدت لعملي بجامعة أم القرى. أول سعودي ومازلت أذكر أني حين عينت أستاذا مساعداً بقسم اللغة الإنجليزية وحرصت أن لا أمارس أي عمل إداري حتى أكمل مسيرتي العلمية بإعداد بحوث الترقية إلى درجه أستاذ مشارك ودرجة أستاذ، وتم ذلك بحمد الله وتوفيقه، فكنت أول سعودي يرقى إلى درجة أستاذ مشارك عام1406ه منذ تأسيس قسم اللغة الإنجليزية عام 1380ه، ثم في عام 1410ه ترقيت إلى درجة أستاذ وكنت أيضا أول سعودي يرقى إلى هذه الرتبة العلمية في تاريخ القسم، خلال تلك الفترة طلب مني الأخ الكريم معالي الدكتور راشد الراجح مدير الجامعة آنذاك أن أكلف بعمل عميد الدراسات الجامعية للطالبات وهو الشطر الآخر للجامعة، والذي كنت أداعب به من خلال بعض الزملاء بعبارة «عميد النصف الحلو» ، وكان يرددها دائماً بعفوية وحب أستاذي الكريم الدكتور محمود محمد علي أسدالله الكاظمي وكيل الجامعة للدراسات العليا وأمينها العام السابق التفرغ للكتابة والتأليف وأضاف ومرت الأيام لأعود وأعمل مديراً لجامعة أم القرى بمشيئة الله لمدة وجيزة، الذي اختار لي جل شأنه الخير لأتفرغ للكتابة والتأليف. ومن أجمل محطات الحياة تجربتي في مجلس الشورى فهذا الكيان يعمل كما كان في صدر الإسلام بالتعيين وهو نهج المملكة العربية السعودية إذ أن ذلك يعتمد على اختيار الأكفاء من أهل الحل والعقد وذوي الخبرة والدراية، وليس الاختيار الذي يقوم على الوعود والترشيحات المشتراة بالمال، وكنا نعمل في مجلس الشورى ونتكلم بحرية وفق ضوابط الإسلام. إذ أن كل مسلم مطلوب منه ولو لم يكن في مجلس الشورى أن يتكلم بالحق بعيداً عن الهوى، لا يراقب محاسبة الناس، بل يراقب من كلف رقيبا وعتيدا بكتابة الحسنات والسيئات من الأقوال والأفعال، عالماً بأنه (وهل يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم)، ويجب أن نفرق بين المفهوم البرلماني الشورى في الإسلام الذي له تشريعاته السماوية، والمفهوم البرلماني في غير ملة الإسلام القائم على تشريعات وضعية إذ لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً. الموسوعة الحقوقية وعن موسوعته الشهيرة قال الدكتور الوزان: «استقيت فكرة تأليف موسوعة حقوق الإنسان في الإسلام وسماتها في المملكة العربية السعودية والتي توجت من خلالها بجائزة الملك فيصل العالمية، من الخطاب الملكي العظيم لمؤسس الكيان السعودي جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود والذي ألقاه قبل 85 عاما في احتفالية أمانة العاصمة المقدسة بحضور أهالي مكةالمكرمة وعد وثيقة تاريخية عالمية في حفظ حقوق الإنسان وكرامة البشرية، حيث قررت قبل 14 عاما البدء في مشروع هذا البحث العلمي حيث تزامن بدئه في إعداد وجمع الموسوعة مع مناسبة الاحتفاء بمرور 100 عام على تأسيس المملكة وذلك في عام 1419 ه وهو الوقت الذي تزامن أيضا مع احتفالية هيئة الأممالمتحدة بمرور 50 عاما على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كان هذا التوقيت الفعلي لبداية التأليف الجمع، فقد اطلعت حينها ومع هذا التزامن على الوثيقة الملكية المأثورة للمؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه في مسألة حقوق الإنسان، وسبق الإسلام إلى ذلك من خلال خطابه الملكي الذي ألقاه في أمانة العاصمة المقدسة في 1/ 12 / 1348 ه والمنشور في جريدة أم القرى يوم 6 / 12 / 1348 ه الموافق 5/5/ 1930 م حيث قال الملك الراحل: «يقولون الحرية، ويدعي البعض أنها من وضع الأوروبيين والحقيقة أن القرآن الكريم قد جاء بالحرية التامة الكاملة، وبعد تأملي والنظر إلى تاريخ الخطاب وهذه الوثيقة الملكية التي كانت عام 1930 م بما يعني سبق تاريخ صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي كان عام 1948 م حيث أكد الملك عبدالعزيز يرحمه الله سبق الإسلام في حفظ حقوق الآدميين وحريتهم فقد كان الملك عبدالعزيز يلقي كلمته من مهبط الوحي، وهذا أحد البواعث الرئيسية والأساسية لإعداد هذه الموسوعة مع جملة من الوثائق الملكية لملك المملكة وأمرائها وأحاديثهم. سبع سنوات قضيتها في تأليف الموسوعة التي وقعت في 8 مجلدات رفض طلب الوزير ومن المواقف المهنية العالقة في ذاكرته قال: «وردني خطاب وأنا مدير بجامعة أم القرى من أحد المسؤولين الكبار بمرتبة وزير يسأل عن تعيين معيدة، ولماذا لم يتم الأمر، ويطلب الإفادة بلهجة فيها تهديد، وأنه سيعرض الأمر على النظر الكريم (الملك) حفظه الله ورعاه وكان للأمر ملابسات، فاتصلت بالمسؤول على الجوال وصادف أنه في أمريكا وفارق التوقيت حدد وقت الاتصال الساعة الثانية صباحاً / ليلا ، فقلت له: «بأنني تسلمت رسالته وأنني شخصياً سوف أعرض الأمر على النظر الكريم، فارتبك وقال لي لا تفعل والخطاب إنما من سكرتيري الذي أخطأ بتصرفه هذا فعجبت لذلك كثيراً، وهكذا أمثاله يستضعفون الناس ولايكونون صادقين أمام ولاة الأمر».