عزت غريزة الجشع أروقة دور الرقية الشرعية في وقت استغل فيه بعض ضعاف النفوس من القائمين على رقية الناس أحوالهم الصحية والنفسية وجعلوا من المتاجرة بأمراض البشر سلعة تدر عليهم المال وتقفز بجيوبهم إلى مصاف الأثرياء سريعا، فعين ترقب ما تجود به يمين الباحث عن بارقة الشفاء وأخرى مغمضة الضمير همها الأوحد الكسب السريع. إن الرقاة العاملين خارج العمل المؤسساتي بعيدا عن الرقيب الرسمي استطاعوا تكوين سوق هامشية للمتاجرة بمتاعب البشر وآلامهم أولئك الباحثين عن الشفاء على أعتاب المتاجرين وأدعياء الرقية الشرعية ما أفسح مجالا للتكسب وأفرز مساحة حرة لبيع عبوة الماء بخمسة أضعاف سعرها الحقيقي كذلك حال الزيوت المنفوث فيها والتي تصل قيمة القنينة منها ما لا يتخيله عقل، إذ إن تعرفة الرقية وملحقاتها ترسم في كثير من الأحيان علامات تعجب ودهشة إثر المغالاة واستغلال ضعف حيلة الساعين وراء بصيص تعافٍ مما ابتلاهم الله به. وبالقرب من إحدى دور الرقية كان الحديث ذا شجون، فكان التوافق في الرؤى سمة التعبير وآخرون مختلفون إلا أن كلا الطرفين مكرهون على ما ابتلوا به، ومدفوعون للبحث عن العلاج ولو كان في سم إبرة. في البداية يقول ناجي البقمي جار لدار رقية «استغرب بعض تصرفات الرقاة في وصف مواد ليس لها امتداد عبر تاريخ الرقية إذ إنه لا أدلة شرعية في الكتاب والسنة تنص على وجود الماء أو الزيت المقروء عليها»، وأضاف «الزيت والماء مادتان حاضرتان بقوة عند مدخل أي من دور الرقية مع العلم أنه لا وجود لهما في السنة أو الأثر ولكن الرقاة يستغلون المراجعين تحت وطأة الحاجة إلى العلاج بهدف شراء الزيوت والمياه وادعاء خلطها والقراءة عليها وتطور الوضع إلى نسخ أشرطة وأقراص لآيات الرقية علما بأن القرآن كله شفاء أما بقية الوصفات فلا أساس لها من الصحة». ونوه المستشار الأسري عبدالعزيز الحسن إلى أن دور الرقية المنتشرة في الأحياء السكنية تزعج جيران الموقع ، نتيجة التزاحم والوقوف أمام منازل الناس الأمر الذي يشكل أذى نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وهذه بحد ذاتها مخالفة شرعية. وأضاف، تنامت ظاهرة الرقاة بل إن الكثير من القائمين عليها امتهنوا هذا العمل للكسب المادي، وبعضهم حوله لما يشبه العيادات الطبية؛ حيث يجبرك الراقي على فتح ملف ودفع مبلغ مادي مقابل ذلك عند كل زيارة. واستطرد «المشكلة الأخرى تكمن في أن أسعار بعض المنتجات مثل الزيوت والماء والعسل وخلافها إلى ثلاثة أضعاف قيمتها السوقية، وهذا ابتزاز واستغلال لحاجات الناس وفي حال شرائها من المحال التجارية فإن الرقاة يعتذرون عن القراءة بدعوى كثرة المراجعين وتزايد المشاغل فيجد المريض نفسه مكرها على الشراء من سوقهم السوداء». فيما يؤكد سعود الثمالي ضرورة إعطاء تصاريح ومراقبة مستمرة للنشاط في ظل تزايد الأعداد والأسعار الباهظة التي يتقاضاها الرقاة مقابل قراءة وتوابعها، مضيفا أن المتعارف عليه في الرقية أنها تتم فقط بالقرآن الكريم إذ لا يوجد نص قرآني أو حديث موثوق أو حتى ضعيف يدل على أن الزيت والماء ذو علاقة بالرقية ، فالزيت شجرة مباركة وهناك أحاديث تدل على استخدامه في حالته الطبيعية دون الارتباط بالرقية. ويرى الثمالي أن من أفضل أنواع الرقية تلك التي تكون من المريض لنفسه دون وسطاء لأن في هذا الأمر بعد عن الشبهات وقطع لدابر الاستغلال فجل آيات القرآن شفاء ، والعسل أيضا كذلك الحال بالنسبة لماء زمزم. فيما يقول رأفت جنبي إمام مسجد: «لا بد أن يعرف الجميع أن القرآن بحد ذاته شفاء دون الحاجة لإضافات أخرى ، فالعسل بمفرده شفاء كما ورد في القرآن، وزمزم لما شرب له، كل على حدة». ويضيف: «لم يرد في نص شرعي استخدام الزيت للرقية، فجميع الأحاديث ذكرت منافع الزيت وغيره مع غير الرقية، لذلك فالقرآن بمفرده شفاء، قال تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين)، والآية لم تذكر العسل أو الزيت مع القرآن، ومن المفارقات العجيبة أن البعض يجعل للماء والزيت وغيرهما أسعارا مختلفة بحسب القراءة». الجلسة ب18 ألف ريال فيما يقول الراقي خالد الجريسي «لست مع الرقاة ولا ضدهم، أنا مع الحق، والراقي الذي يضع الله نصب عينيه فيما يقدمه للناس، وقد ثبت في القرآن الكريم فضل زيت الزيتون في أكثر من موضع حتى أن الله أقسم بالزيتون، وفي الحديث الشريف أيضا ثبت في صحيح ابن ماجه قوله، صلى الله عليه وسلم،: (ائتدموا بالزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة)، لذلك فالتداوي به مأخوذ من الطب النبوي والسنة الشريفة». ويؤكد الجريسي «أنا ضد الرقاة الذين يصفون زيت السمسم أو خلط زيت الزيتون بأي شيء معه، فقد وردت غالبية الأدوية مفردة، وكذلك كلام الرسول، عليه الصلاة والسلام، الذي لا ينطق عن الهوى»، ويضيف: «كانت الرقية موجودة قبل الإسلام، وقد ثبت عن بعض الصحابة أنهم كانوا يرقون قبل الإسلام فأجازها الرسول، لكن في إطار القرآن والسنة، والرقية موجودة في كل الأديان ومعمول بها كل حسب دينه». وعن استخدام الماء، يقول: «هناك شروط لاستخدامه كدواء في الرقية، ففي قصة أيوب، عليه السلام، أمر الله نبيه أن يركض برجله، مبينا أن ذلك مغتسل وشراب قال تعالى: (اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب)، وفيه شرط إلهي باستخدام الماء البارد، فالجن مخلوق من نار ولا يطفئها إلا الماء البارد». وحول ما يدور من أن هناك رابطا بين استخدامات الماء والزيت، والذكريات الشعبية الموغلة في القدم حول اللجوء للماء والزيت والتراب المقدس، يقول: «لا يوجد في ديننا مقدس سوى القرآن ففيه شفاء للناس». ومن واقع الحال هناك غلو في أسعار بيع تلك المنتجات لدى بعض الرقاة، يعلق عليه الجريسي قائلا: «كثيرون يقدمون الدواء لوجه الله دون مقابل مادي، والبعض الآخر حولها إلى تجارة، فهناك من يتقاضى 18 ألف ريال مقابل الجلسة الواحدة، لذلك أتمنى ألا يستغل الرقاة ضعف الآخرين برفع أسعار العلاج». ينتقدهم الحساد وعن الأدوية التي تدخل في الرقية يقول: «هناك أدوية مباشرة تدخل في الرقية مثل العسل والماء العادي والحبة السوداء وزيت الزيتون وعود القسط الهندي والسناء المكي إضافة للسنوت، وفيها ما ورد فيه نص شرعي والبعض الآخر بالتواتر والتجربة»، ناهيا عن استخدام بعض الخلطات التي لها آثار جانبية وعدم البحث عن الخلطات السرية، فالتداوي لا يكون إلا بالأشياء الواضحة. ويوضح الجريسي أحقية الراقي في تقاضي مبلغ مادي مقابل ما يقدمه، منتقدا المتضجرين من ذلك: «يتحمل الراقي تكلفة شراء المواد، والبحث عن أيد عاملة تدير العمل وترتب مواعيد الزوار إضافة كراء المكان ولا ننسى أن الراقي يقضي بشكل يومي ما لا يقل عن ساعتين من أجل القراءة على الأدوية، وهذه الأمور تحتاج إلى أيدٍ عاملة ووقت، ولكن يجب على الرقاة عدم المغالاة في قيمتها».