نشأت ثقافة مقاطعة السلع في الوقت الذي ارتفعت فيه الأسعار ولم يجد التجار جهة رقابية توقف جشعهم، بل إن المستهلك لم يجد بدا من اتباع مقولة الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عندما جاءه المتذمرون من المسلمين يشكون غلاء اللحم آنذاك، فقال لهم مقولته المشهورة «أنتم أرخصوه» أي اتركوه ولا تشتروه من الجشعين، للتقليل من ثمنه الباهظ. إن مقاطعة التجار الجشعين وبضائعهم، بات أمرا ملحا وضروريا أمام المبالغة الفاحشة في أسعار السلع والبضائع والخدمات، واستغلال المستهلكين. حيث أيد 79 في المئة من المستهلكين أهمية المشاركة في حملات مقاطعة السلع لأنها باتت أحد عوامل إعادة الأسعار إلى وضعها الطبيعي فيما أكد نحو 408 من المشاركات والمشاركين في الاستفتاء أن 11 في المئة لا يرون تحقيق حملات المقاطعة للنتائج المرجوة التي تنعكس على رضى المستهلك فيما أوضح 383 في المئة أن المقاطعة قد لا تؤتي أكلها بنسبة 10 في المئة. فيما أكد المختصون في الشأن الاقتصادي أن نجاح ثقافة حملات المقاطعة يعتمد على عامل الوقت والاستمرارية لضمان تلبية التجار لرغبات المستهلكين في إعادة الأسعار إلى وضعها الطبيعي.. «عكاظ» رصدت آراء المختصين في الشأن الاقتصادي والمستهلكين الذين باتوا يرون أن حملات المقاطعة رد فعل ينبغي أن يعمل به لوقف استنزاف جيوب المستهلكين.. بداية، أكدت منى بن أحدش (موظفة قطاع خاص) على توجهها إلى مقاطعة السلع الاستهلاكية والغذائية في حال زيادة الأسعار حتى يعود مؤشر أسعار السلعة إلى الوضع الطبيعي، مشيرة إلى أنها تتجه على الفور إلى الشركات الغذائية الأقل سعرا والجودة العالية وتضيف منى «توجه المستهلكين نحو مقاطعة السلع مؤشر وعي يحمل رسالة إلى التجار بعدم التلاعب بالأسعار التي تثقل كاهل ميزانية الأسرة». فيما يرى عصام عبد الرحمن (موظف قطاع حكومي) أنه ينبغي وجود جمعيات تعاونية تتوفر فيها السلع لكافة الشرائح لمواجهة غلاء الأسعار وأكد توجهه إلى شراء البدائل من المنتجات أو الاستغناء عن السلعة إذا كانت الحاجة لها غير ملحة. وفي السياق نفسه، يتطلع خالد عبدالله (موظف قطاع خاص) من وزارة التجارة في حال تضرر أحد المستهلكين ماديا من زيادة أسعار السلع إلى إلزام الشركات بإعادة الأسعار إلى وضعها الطبيعي فهذه إحدى الوسائل لحد التجار من التلاعب بالأسعار. وأشار عبدالله أحمد (موظف قطاع خاص) أن الوعي الاستهلاكي بات مطلبا للأفراد لمواجهة الغلاء وأن تكون القدرة الشرائية وفقا للميزانية وليس لتلاعب بعض التجار بالسلع، وأضاف: إن المجموعات التوعوية من خلال (قروب) يتضمن أسعار السلع التي طالتها الزيادة ويفيد أيضا بالمنتجات ذات الجودة الأقل يساهم في نشر الثقافة الاستهلاكية ليميز المستهلك بين الجيد والرديء. ويقترح أن يساهم المتواصلون مع وسائل التواصل الاجتماعي في التوجه نحو تعزيز ثقافة المقاطعة. وعلى صعيد المشهد الاقتصادي، أكد الأكاديمي والكاتب الاقتصادي الدكتور عبدالرحمن السلطان، أن نجاح حملات المقاطعة يتوقف على أسلوب المقاطعة فإذا التزم المستهلكون بعامل الوقت والاستمرارية هنا تؤتي الحملات أكلها وتحقق الأهداف المرجوة من ورائها، مشيرا إلى أنه في حال استمرارية المقاطعة يخشى التجار من تكدس السلع وبالتالي فسادها مما يحذو بهم إلى مراجعة السلع والرضوخ لرغبات وتضجر المستهلكين من زيادة الأسعار ويجعله يتردد في رفع الأسعار مستقبلا، مضيفا: أنه في حال عدم أخذ حملات المقاطعة صفة الاستمرارية قد يدفع التجار إلى تحمل الخسارة إلى حين تقبل المستهلكين لزيادة الأسعار. وانتقد الأكاديمي الدكتور عبد الرحمن السلطان، الدور الغائب لجمعية حماية المستهلك التي لم تحدث تأثيرا واضحا يخدم المستهلكين على المستويين الاجتماعي والاقتصادي. ومن وجهة النظر القانونية، أيدت المستشارة بيان زهران، توجه المستهلكين نحو ثقافة مقاطعة السلع التي تعد إحدى الوسائل لإعادة الأسعار لوضعها الطبيعي، مشيرة إلى أن المقاطعة رسالة إلى التجار بعدم مناسبة السلع لقدرات المستهلك الشرائية. وحول إمكانية رفع المستهك المتضرر من غلاء أسعار السلع شكوى، لفتت المستشارة القانونية بيان زهران، أنه في حال ثبوت ضرر يحق للمستهلك التقدم بدعوى بموجب أنظمة وزارة التجارة في هذا الخصوص لأنها الجهة المخول لها المراقبة ورفع الشكوى. وعلى مستوى المشهد الاجتماعي، وصفت الأستاذ المشارك في قسم علم الاجتماع في جامعة الملك عبد العزيز في جدة الدكتورة آمال فلمبان، ثقافة مقاطعة السلع بالإيجابي المعبر عن موقف اجتماعي تجاه مؤثرات اقتصادية تشهدها السلع من غلاء وتدني مستوى جودة السلع وما قد يلحق بها من عيوب لا يرضاها المستهلك، وترى الأستاذ المشارك في علم الاجتماع أن ظهور حملات المقاطعة على السطح الاجتماعي يدفع لتنشيط سوق العرض والطلب ومن شأنه المنافسة بين الشركات في طرح منتجات ذات جودة عالية وأسعار تنافسية وفق القدرات الشرائية للمستهلكين.