أنهت ثورات الربيع العربي عامها الثاني في الدول التي تعرضت لهذه الثورات، والتي اندلع أكثرها لرغبة الشعوب في تحسين مستوى المعيشة، وتحقيق مستوى أفضل من الرفاهية، والعدالة الاجتماعية، ومحاصرة الفقر والبطالة. وهذا يعني أن الأوضاع الاقتصادية كانت تقف وراء هذه الثورات في المقام الأول، إضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بالممارسات السياسية والحزبية غير الناجحة، وكذلك تراخي أجهزة الدولة في كثير من الأحيان، ما أوجد حالة من الهياج السياسي أفضت إلى إقصاء الأنظمة السابقة في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن، وما زالت تستعر المواجهات الدامية بوحشية في سوريا. هذه الثورات تظل خيارات شعوب هذه الدول التي اعتبرتها أفضل الوسائل لتحقيق تطلعاتها، وقد أفرزت هذه الثورات أنظمة جديدة طبقا لنتائج الانتخابات التي جرت في هذه الدول واحترمتها دول العالم، باعتبارها نتاج رغبة شعبية داخلية. وفي الواقع أن المملكة تتعامل مع أنظمة الربيع العربي الجديدة من هذا المنطلق، باعتبار أنها أنظمة تمثل شعوبها طبقا للأعراف الدولية، ولا تتدخل إطلاقا في الشؤون الداخلية لأي دولة. وهذا هو دأب المملكة مع جميع دول وحكومات العالم، بل اتخذت المملكة خطوات جادة لمساعدة الشعوب الشقيقة التي خاضت هذه التجربة، وتعتبر قيادة المملكة ذلك واجبا تجاه الأشقاء من خلال موقعها الهام في المنطقة والعالم. وبعد انقضاء عامين على نشوب هذه الثورات ما زالت المعضلة الأساسية وهي معضلة الاقتصاد قائمة، بل تزداد تعقيدا في هذه الدول، ما يهدد مسيرة تقدم الشعوب ومستقبل الثورات معا، الأمر الذي يستوجب على أنظمة هذه الدول ضرورة البحث عن حلول واقعية ذات مردود حقيقي لتجاوز الأزمات وتحقيق القدر المناسب من تطلعات شعوبها، ولن يتحقق ذلك إلا بالخطط الواقعية لزيادة الإنتاج، وتوفير الاستثمارات، وتشجيع القطاع الخاص، وحشد طاقة الشعوب للبناء والتنمية بعيدا عن المواجهات الداخلية، والانقسامات، والتناحر، والشعارات البراقة عديمة الجدوى، أو تغليب المصالح الحزبية والفئوية على مصلحة الشعب والدولة. * رئيس مركز الخليج للأبحاث