انتهت الانتخابات العامة ال19 للكنيست الإسرائيلي، التي تجري بنظام التمثيل النسبي، حيث على أي حزب الحصول على 2 في المئة على الأقل من إجمالي الأصوات كي يفوز بمقاعد في الكنيست، ويبلغ عدد الإسرائيليين الذين لهم حق الإدلاء بأصواتهم أكثر من 5.65 مليون شخص، وقد تنافس في الانتخابات 32 حزبا (من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، إلى جانب الأحزاب العربية) على مقاعد الكنيست، التي يبلغ عددها 120 مقعدا، وقد أظهرت النتائج شبه النهائية، فوزا باهتا لكتلة (الليكود بيتنا) اليمينية المتطرفة، وذلك بحصولها على 31 مقعدا في البرلمان مقابل 42 مقعدا، كان يملكها في الفترة البرلمانية السابقة، ويبدو أن نتائج الحرب على غزة في نهاية العام المنصرم، جاءت بمردود سلبي وعكسي، وبمثابة شؤم، بالنسبة لنتنياهو وتحالفه اليميني المتطرف. لكن في المقابل، عزز اليمين القومي الأكثر تطرفا، والمتمثل بحزب البيت اليهودي، الذي يتزعمه رجل الأعمال المليونير نفتالي بينيت، حضوره كمنافس قوي لتحالف الليكود-بيتنا، حيث حصل على 12 مقعدا في البرلمان، مقابل ثلاثة مقاعد في الكنيست السابق، والمرجح قبوله دعوة نتنياهو له للدخول في حكومة إئتلافية تضم عتاة اليمين المتطرف، وفقا لاشتراطات عدة من بينها توسعة بناء المستوطنات في جميع أراضي الضفة الغربية التي يطلقون عليها يهودا والسامرة كناية عن يهوديتها، وكذلك رفض المفاوضات (الميتة فعليا) مع الفلسطينيين، ناهيك عن الإقرار بمبدأ الدولتين، التي تعد أكثر عنصرية وتشددا من الائتلاف اليميني المتطرف الحاكم. غير أن المفاجأة لم تتمثل في الصعود القوي لحزب البيت اليهودي، الذي ضاعف مرتين عدد مقاعده في الكنيست، والذي كان متوقعا، وفقا لنتائج الاستطلاعات، عشية الانتخابات. المفاجأة التي أربكت الأحزاب (اليمينية واليسارية) الصهيونية على حد سواء، هو الصعود المدهش لحزب (يش أتيد) ومعناه (هناك مستقبل) العلماني الذي يمثل تيار الوسط، وفي أول مشاركة له بعد تأسيسه، وذلك بحصوله على المرتبة الثانية ب18 إلى 19 مقعدا، متخطيا بذلك كل التوقعات السابقة. كما حصل حزب العمل على 17 مقعدا، مقارنة بثمانية مقاعد في الكنيست السابق، حيث احتل المرتبة الثالثة، وقد عزز حزب العمل مواقعه الشعبية، عبر تركيز حملته الانتخابية على قضايا الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، خصوصا في ضوء الاحتجاجات الشعبية الواسعة في العام المنصرم، ضد الغلاء والبطالة والفساد، التي شارك فيها مئات الآلاف من الإسرائيليين. من الواضح بأن الانتخابات الأخيرة والصعود اللافت لأحزاب اليسار والوسط، أظهرت مدى الانقسام الحاد بين الإسرائيليين، ومع أنها تتمحور أساسا حول السياسات الداخلية، غير أن هناك بعض التباينات المحدودة، ما بين الأحزاب (اليمينية واليسارية) الصهيونية، حول الموقف من تسريع وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية، وتحريك مفاوضات السلام مع الجانب الفلسطيني. في كل الأحوال لا يمكن التعويل على أي حزب أو تكتل صهيوني مهما كان توجهه السياسي أو الآيديولوجي، باعتباره شريكا موثوقا في مفاوضات سلام حقيقية، قد تؤدي إلى تلبية الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها، إنهاء الاحتلال، وجلاء القوات المحتلة وقطعان المستوطنين من جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1967، والاعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة بعاصمتها القدسالشرقية، وكذلك ضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين. هذه المطالب المشروعة، لن تتحقق من خلال استجداء الطرف الإسرائيلي، مهما كان لونه، كما لن تحققها القوى الغربية وبخاصة الولاياتالمتحدة، الداعمة بقوة لإسرائيل وسياساتها العدوانية، وأيضا لن يحققها النظام العربي، الغارق بمشاكله، وأزماته وقضاياه الداخلية والإقليمية. من هنا يتعين على الشعب الفلسطيني، استعادة وحدته، والتسريع بتحقيق المصالحة الوطنية، المستندة إلى الثوابت الفلسطينية، غير القابلة للمساومة، وبما في ذلك تصعيد المقاومة الشعبية ضد الاحتلال، بمختلف صورها وأشكالها.