تمثل قضية حقوق المرأة أحد أبرز موضوعات الجدل بين الخطابات الثقافية بالسعودية، ويمكن من خلال هذه القضية تمييز نوع الخطاب ومرجعيته، بل إنها من أدق القضايا تعبيرا عن إمكانات كل خطاب وقدراته على استيعاب قضية حقوق الإنسان، فبإمكان كل الخطابات أن تتغنى بكافة الحقوق وتدعم ذلك بعشرات الحجج من مرجعياتها المختلفة، لكن ليس كل الخطابات بإمكانها الحديث عن حقوق المرأة بذات (الفرح والانطلاق) دون الشعور بإحراجات قد يسببها بعض (الاضطراب) في المنهج، أو كظم الغيظ من هذا الشر الذي لا بد منه! إن قضية حقوق المرأة ذات حساسية مميزة وذلك لقدرتها الموثوقة في محاكمة الخطابات بوضوح. فأي محاولة لتناولها دون النظر لهذا الحق من زاوية إنسانية ستعرض الخطاب لإشكالات كبيرة قد تتسبب في انهياره حقوقيا، حتى لو كان منهجه متماسكا في قضايا أخرى. إن علاقة حقوق المرأة بحقوق الإنسان بشكل عام ليست مجالا لإعادة صنع العجلة، فما يعتقده الرجل حقا له (يحق لأي امرأة) في ذات الوقت أن تعتقده حقا لها كحق الاستقلال والحركة والعمل والتعبير والمشاركة في الشأن العام، وهذه الحقوق ليست منحه من الرجل للمرأة بل هي ضرورة لفلاح المجتمع ومنح تنوع أفراده فرص متساوية، فربيع الحقوق وعدالتها يمنح المجتمع حيوية نشطة تسهم في ازدهاره، ففي ذلك تشغيل بلا تكاليف لأكبر عدد ونوع من العقول لإنتاج أكبر تنوع من المعرفة والخبرة مما يعود بنفعه على الجميع. إلا أن كل هذه الفضائل قد لا تكون منظورة في الخطابات المحافظة التي في أحسن أحوالها قد تعرقل حقوق المرأة بشكل غير مباشر، وفي أسوأ الأحوال قد تكون العرقلة رفضا صريحا مباشرا! إن ما يجمع هذه الخطابات هو نظرتها القاصرة عن حقوق المرأة فهي تتناوله (كنزاع أخلاقي) وتبرهن عليه (بسلوك أخلاقي) وتحمي رأيها عنه (بحسم أخلاقي)، فالمرأة تستحضر كقضية أخلاقية بالمقام الأول وأن احتمال (تشيطن) المجتمع يزداد كلما بدأت معالم مشاركة المرأة فيه تنشط! وعلى النقيض يتم عادة تناول قضية الرجل كمرادف لقضايا الإنسان/ المواطن/ صاحب الرأي.. الخ، أي كموضوع إنساني/ اجتماعي، هذه المفارقة تكشف عن وجود خلل عميق في هذه الخطابات، فحقوق المرأة تقودها الظنون الأخلاقية، في غاية هدفها أمرين: وضع سد ضخم لا يمكن مناقشته، وفي حال مناقشته يتحقق الهدف الثاني وهو إصدار الاتهامات الأخلاقية، والضلال السلوكي. إن مبدأ تناول حقوق المرأة من هذا المنظور وتضخيم هذا الجانب هو انتهاك بحد ذاته لحقوقها، فاحتمال الخطأ الناتج من أفراد عند منح الحقوق لا يلغي حق المجموع في طلب هذا الحق، والحقوق تنشط مع التنمية ويزداد اتساعها في كل الاتجاهات. ورغم ذلك، فإن الحجج مهما كثرت، فإنها لا يمكن أن تكون مقنعة لأصحاب هذه الخطابات التي هي في الحقيقة تنظر (لنوع المرأة) جزءا مهما من ممتلكات السلطة الاجتماعية التي يفترضها أصحاب هذه الخطابات لأنفسهم، التي لا يجب أن يناقشهم فيها أحد حتى المرأة نفسها، فالتناول في هذه الخطابات ليس تبادلا للآراء حول تفسير هذا الحق، بل رفض له أولا، والعرقلة والتشويه ثانيا. نتيجة أن مفهوم الحقوق في هذه الخطابات مشوه وغير منتظم.