اتجهت بعض الجهات الخيرية والمنظمات الإغاثية إلى إعداد خطط استراتيجية لتبتعد بأعمالها الإنسانية والاجتماعية عن العشوائية التي ظهرت لدى بعضها في نشاطاتها السابقة، ومع نجاح البعض في تطبيق هذه الخطط طويلة المدى إلا أنها فوجئت بأنها تفتقد إلى المرونة التي تجعلها تسير أعمالها وفق الظروف العملية التي تجبرها لتغيير المسار التخطيطي الذي وضعته، فوقعت تلك الجهات بين سندان تطبيق الخطة الاستراتيجية الموضوعة أو العودة إلى التخبط والعشوائية في العمل الخيري. الأمين العام لمؤسسة محمد وعبدالله بن إبراهيم السبيعي الخيرية الدكتور عادل السليم أوضح أن المؤسسات والجهات الخيرية بدأت التطور التدريجي في عملها والتحول من العمل الفردي إلى المؤسسي، وإلى جهات مانحة وفق عمل منهجي مدروس، كما أنه أصبح هناك تكامل فيما بينها لتبادل الخبرات وعدم تكرار المشاريع. وبين الدكتور السليم أن مؤسسة السبيعي الخيرية التي يتولى أمانتها تقوم بمنح المستفيد وفق سياسات وضعتها أمامها، حيث تنطلق في عملها بتبني ودعم المؤسسات الخيرية والجمعيات العاملة في الساحة بمختلف تخصصاتها ولا تزاول الممارسة التنفيذية إلا في حالات الاضطرار والاستثناء، وتسعى إلى تبني المشاريع النوعية التي تخدم قطاعات العمل الخيري بشكل مستمر ودائم عبر البرامج التعليمية التأهيلية التي تسهم في الرقي بمستوى الفقير والمستفيد، وأن استراتيجية المؤسسة تنطلق في بنود صرف الميزانية وفق مجالات محددة وفق نسب محددة كالتالي: مجال التعليم والتأهيل 30% ومجال الدعوة 25% والمجال الاجتماعي والإغاثي 20% والمجال الصحي 10% ومجال بناء المساجد 15% مع مراعاة تغيير الزمان والمكان والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمحلية والدولية، كما تنطلق المؤسسة من مبدأ اختيار المشروع الذي يتناسب مع استراتيجياتها والخطة السنوية المعدة وفق المعايير التي تحددها آخذة بعين الاعتبار دوام وعظيم الأجر وكثرة نفعه للمستفيد، وتوجيه المال وصرفه على الجهات المستحقة وذات الأهلية من مبدأ التأكد والتحري الدقيق من الجهة المستحقة والمستفيد، ولا تتبنى دعم الأفراد إلا في نطاق ضيق ومن خلال الجمعيات الخيرية القائمة والموثوقة بعد التنسيق معها للتأكد من المستحقين، وتقوم المؤسسة على لجان متخصصة وفق الضوابط الشرعية للإشراف والمتابعة على المشاريع، وتبتعد كليا عن دعم أو مساندة أي جهة عليها إشكالات نظامية أو شرعية أو إدارية أو مالية، وتقدم المشاريع الأعم نفعا وذات الاحتياج الأكثر في وجود أكثر من مشروع لذات الهدف، والحرص على اعتبارية الواقعية في التنفيذ وإمكانية المتابعة والقدرة على التقويم للمشاريع التي تتبناها. برامج نوعية وأوضح الدكتور السليم أن إدارة العمل الخيري في مؤسسة السبيعي الخيرية تنحى منحيين، أولهما «البرامج النوعية» وهي برامج أو مشاريع محددة الأهداف والرؤية تعمل وفق خطة محددة ومدروسة، ذات أثر أعم نفعا، تستهدف المناطق الأكثر احتياجا وهي تمثل العدد الأكبر من البرامج التي يتم دعمها من المؤسسة، وهذه المعايير الأربعة ليست إلا مفتاحا لدراسة المعاملة في المؤسسة ويأتي بعد ذلك معايير نوعية دقيقة تم وضعها من قبل فريق البرامج النوعية وبرؤية مستشاري المؤسسة وهي معايير خاصة لكل برنامج وبالتالي تبرز هنا صورة الإسهام بشكل غير مباشر في تطوير الميدان، فالجهات الراغبة في الدعم تسعى إلى رفع مستوى المشروع المقدم ليكون لديها خطة تنفيذ وأهداف واضحة وأثر ملموس ثم تدخل إلى المعايير الخاصة بذلك المشروع وهكذا، والثاني «المشاريع المدعومة» وهي البرامج الاستراتيجية والتي تنطلق برؤية أعمق وميزانية أكبر ومعايير أوسع كونها مشاريع بعيدة المدى. وبين الدكتور السليم أن ما تطمح إليه مؤسسة السبيعي الخيرية هو ريادة تطوير العمل الخيري سواء أكان هذا التطوير لأفراد ورجالات العمل الخيري أو للرؤى والأهداف المرتقبة للعمل الخيري، وأن تتحول الأعمال الخيرية وإدارة الأعمال الخيرية من احتراف إلى مهنية إلى مؤسسية تدفع بالمجتمع والبلد نحو الريادة على مستوى العالم في هذا المجال، مضيفا: لقد بدأنا خلال السنوات الثلاث الماضية في التوجه العملي لدعم المشاريع والبرامج التطويرية في كافة القطاعات الخيرية، وفي نهاية العام الجاري ستنطلق خطة المؤسسة الخمسية (1430 / 1435ه)، وأمام ناظريها هدف كبير هو تطوير القطاع الخيري في هذا البلد المبارك. تأهيل المحتاج ومن جانبه يوضح رئيس لجنة مساعدة السجناء المعسرين وذويهم في جدة الدكتور عبدالله مرعي بن محفوظ أن المؤسسة جعلت تأهيل المحتاج وبالذات الشباب منهم في أولويات الأعمال والبرامج الخيرية التي تقدمها، مبينا أن المؤسسة اهتمت بتحويل الفقير من سائل إلى منتج بعد تأهيله وتحويله لسوق العمل لينفق على نفسه ومن يعول، مشيرا إلى أن العديد من الجهات الخيرية بدأت بالاتجاه نحو ذلك، موضحا أن مؤسسة كندة الخيرية تبنت مشروع «الأسرة المنتجة» الذي تهدف مساعدة الأسرة أو أحد أفرادها للاستفادة من إمكانياتها الإنتاجية من خلال تدريب وتأهيل القدرات من الأبناء خاصة الشباب أو الآباء داخل الأسرة الفقيرة ليعول بعد ذلك أسرته دون طلب مساعدة من آخرين ثم توجيه هذه القدرات نحو الإنتاج. استحضار الوضع الدكتور عبدالله عويقل السلمي الأستاذ بجامعة الملك عبدالعزيز ورئيس النادي الأدبي في جدة وأحد المشاركين أيضا في إعداد الخطة الاستراتيجية لهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية بالمملكة، يدعو الهيئات والمنظمات الإغاثية عند صياغة استراتيجياتها أن تستحضر الوضع الدولي والتغير الدائم لتتمكن من التعاطي معه متى ما دعت الحاجة له، مشيرا إلى أن أي جهة خيرية ترسم لنفسها خطة استراتيجية لا تستجيب للمتغيرات ستحدث فيها اختلالات أمام كل طارئ. وقال الدكتور السلمي معقبا: أود أن أنبه إلى أن من الجيد للاستراتيجيات أن تكون طموحة، فاستحضار الواقعية في مثل هذه الأعمال قد يكون مثبطا ومحبطا استجابة للتداعيات السياسية المعاصرة، مضيفا: من الخطأ الجسيم أن تضع بعض الجمعيات الخيرية أو الهيئات الإغاثية خططا استراتيجية تكون مقيدة لها أمام كل طارئ. ويرى الدكتور السلمي أن التعامل مع المتغيرات يلغي قدرا من الخطط ويفرض صياغة خطط أخرى فاعلة ومتفاعلة، ويضيف معقبا بقوله: رسم الخطط تنظيرا قد يكون قيدا من وجه ولكن هو في إطاره العام منظم للعمل الخيري والإغاثي والمؤسسي، ولذا أقترح على المؤسسات الإغاثية والخيرية أن ترسم لها خططا طيعة يمكن تحويرها وتكييفها وفق المتغيرات. قطاع هام ويؤكد الدكتور عبدالرحمن السويلم أن العمل الخيري أصبح يمثل القطاع الثالث إلى جانب قطاع الدولة الخاص في القيام ببرامج التنمية بكل جوانبها الإنسانية والاجتماعية والتعليمية والصحية وبرامج التربية والتأهيل، كما أن له مساهمته الكبيرة في تفعيل دور المجتمع المدني نحو تلمس احتياجاته وسد الفراغ الناشئ من عدم قدرة الدول على تلبية كل الخدمات التي يحتاجها المجتمع كقضايا محاربة الفقر والعناية بالأيتام والأرامل والعجزة والمعوقين، والإسهام في تقديم الخدمات الضرورية أثناء الكوارث والأزمات. فإن أستاذ الشريعة والباحث في الاقتصاد الإسلامي الدكتور علاء الدين زعتري طالب في هذا الاتجاه بوضع آلية تمكن الفقراء من إعالة أنفسهم طوال حياتهم، وتكوين قاعدة إنتاجية منهم إضافة لتأهيل الأسر المحتاجة؛ من خلال تعليمهم مهنة أو حرفة، أو تسهيل شراء المواد الأولية اللازمة لهم، أو دعم تصريف بضائعهم المنتجة؛ لتحويل الطاقات العاطلة من مستحقي الزكاة إلى طاقات منتجة بشكل فردي أو جماعي. ويعد الصندوق الخيري الوطني الذي يعمل على الحد من الفقر بأساليب غير تقليدية أول المؤسسات الخيرية التي تبنت برنامج الأسر المنتجة من خلال توظيف قدرات أفراد الأسر المحتاجة بهدف مساعدتها على إعالة نفسها وإدارة شؤون حياتها وإخراجها من دائرة الفقر إلى إنتاج سلعة أو تقديم خدمة تدر عليها دخلا ثابتا، ويتولى الصندوق دعم وتشجيع ورعاية المشاريع المنزلية الموجهة لمثل هذه الفئات بتقديم الدعم الفني وتسهيل التمويل (القرض الحسن) والتدريب، والمساعدة في تذليل العقبات التي قد تعترض مثل هذه المشاريع وكذلك طرح الفرص الاستثمارية المناسبة لكل منطقة ولكل مستفيد.