في عصرنا هذا تكاثرت الوظائف التي تحمل صفة الاستشارة حتى تكاد تجد في كل وزارة ومؤسسة وشركة أو غيرها عدداً من المستشارين الذين يرجع إليهم للاستنارة والاستهداء بمشورتهم، وامتدت صفة الاستشارة حتى وصلت إلى عالم الطب فصارت رتبة استشاري في الطب تبعث الطمأنينة أن الطبيب ضليع في خبرته وأنه موثوق برأيه متى استشير في مجال العلة التي تخصص في معالجتها. صفة الاستشاري أو المستشار، اتخذت في عيون الناس صفة الحماية من الخطأ وصار وجودهم باعثا على الاطمئنان أن كل شيء سيسير في طريق الصواب، فالظن في المستشار أنه متمكن من المعرفة بما يجعله بعيدا عن الضلال، ينسى الناس أن وجود المستشار لا يعني ضمان عدم ارتكاب غلطات، الاستشارة قد تقلل من نسبة الوقوع في الأخطاء لكنها لا تقضي عليها كليا، والمستشار يظل بشرا يعمل في نطاق القدرة البشرية التي لا ضمان معها لاستمرارية الصواب، وهو غالبا يعمل في نطاق مؤشرات يلتقطها قد تكون صحيحة وقد لا تكون، لكن الثقافة المعاصرة جعلت من وجود المستشار عنوانا للجودة الدائمة، وصارت المؤسسات التي تريد الإعلان عن جودتها تفاخر بكثرة ما لديها من المستشارين. في كتاب الأدب الكبير لابن المقفع، فصل يتحدث عن (معاملة الصديق) وفيه يقدم ابن المقفع خلاصة خبراته وتجاربه في معرفة أسرار كيفية بناء علاقة صداقة ناجحة بما في ذلك كيفية التفاعل مع المشورة الخاطئة متى بدرت من الصديق، وابن المقفع في كلامه هو وإن كان يخاطب الأصدقاء فيما بينهم إلا أنه في واقع الأمر يثبت حقيقة يتجاهلها البعض وهي أن وجود المستشار ليس مانعا من وقوع الخطأ. فالمستشار لا يستطيع أن يخرج من فطرته القاصرة وأن ينجو من الخطأ في الرأي، يقول: «وأعلم أن المستشار ليس بكفيل، وأن الرأي ليس بمضمون، بل الرأي كله غرر (خداع) لأن أمور الدنيا ليس شيء منها بثقة، ولأنه ليس شيء من أمرها يدركه الحازم إلا وقد يدركه العاجز، بل ربما أعيا الحَزَمة (جمع حازم) ما أمكن العجزة، فإذا أشار عليك صاحبك برأي فلم تجد عاقبته على ما كنت تأمل فلا تجعل ذلك عليه لوما وعذلا بأن تقول أنت فعلت هذا بي، وأنت أمرتني، ولولا أنت لم أفعل، ولا جرم لا أطيعك في شيء بعدها، فإن هذا كله ضجر ولؤم وخفة». هذه العبارة لابن المقفع عن المستشار هي وإن كانت موجهة للأصدقاء وما ينبغي عليهم الالتزام به في تعاملهم مع بعضهم البعض، إلا أنها بصورة أخرى تبين أن وجود المستشار لا يحمي من الوقوع في الزلل فالرأي عرضة للصواب والخطأ، إلا أن الناس ينخدعون بوجود المستشارين في مكان ما، ويرون في كثرتهم دليلا على الجودة والسلامة من الوقوع في شبكة الأخطاء. فاكس 4555382-1 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة