مما صدر عن دار الساقي مؤخرا كتاب «التشكك في السلطة»، ضمن سلسلة «مفاهيم الليبرتارية وروادها». والكتاب عبارة عن مختارات منتزعة من مؤلفات قادة الفكر الليبرالي في أوروبا وأمريكا، وقد ترجم الكتاب صلاح عبدالحق. والكتاب في الأساس من تحرير ديفد بوز وهو بدوره سلسلة بعنوان: نصوص ليبرتارية. ومما هو واضح من العنوان، فإن الكتاب مكرس لعرض زبدة المقولات التي أذاعها أو أبدعها الفلاسفة الليبراليون منذ القرن التاسع عشر إلى أوائل العشرين حول مفهوم السلطة. الكتاب يحتوي على ثمان مقالات. الفكر السياسي الليبرالي بطبعه فكر ديمقراطي ولديه صرامة شديدة فيما يتعلق بالحريات الأساسية للأفراد والمؤسسات. كما أن له موقفا متخوفا من السلطة، وهذا الموقف يعد صدى لفكر جون لوك الذي يرى في السلطة شرا ولكن لا بد منه. وكل الفلاسفة المختارين في هذا الكتاب يمكن اعتبارهم «لوكيين» لا «هوبزيين»، خصوصا إذا عرفنا أن الفارق الكبير بين لوك وهوبز يكمن في رؤية كل منهما لطبيعة العلاقة بين الأفراد والحكومة. فالأول يرى أن حريات الأفراد يجب صيانتها وحمايتها من قبل أية سلطة كانت، أما الآخر فيقول بضرورة الخضوع التام للحكومة. على أن موقف هؤلاء من مفهوم الحكومة متباين. ف«توماس بين» يتخذ موقفا وسطا بين توكفيل وروثبارد، إذ يرى رأي جون لوك أن الحكومة شر ولكنه ضروري، «فإذا كان المجتمع نتاجا لاحتياجاتنا فإن السلطة نتاج لشرورنا، الأول يزيد من سعادتنا بصورة إيجابية من خلال توحيد عواطفنا، والثانية تزيد من سعادتنا بصورة سلبية من خلال تقييد رذائلنا». من هنا يتضح أن موقف توماس بين محايد نوعا ما. ويتابعه في هذا الصدد كل من جيمس ماديسون وجون ستيوارت مل الذي يرى أن للحكومة دورا مهما في حماية الأفراد والأقليات من طغيان أكثرية المجتمع. وإيمانا من ستيوارت مل بأهمية «الحرية الفردية» ومشروعيتها، فإنه يجعل منها أساسا لشرعية الحكومة في ممارسة سلطتها. أما توكفيل فهو أكثر تفاؤلا من البقية، فمع ارتيابه العام، كليبرالي من السلطة، إلا أن الحكومة ليست شرا بوصفها كذلك، بل الاستبداد وتركز السلطة هو الشر. ويؤيده هنا الكاتبة الليبرالية إيزابيل باترسون التي ترى أن الحكم يتأسس بين الحاكم والمحكوم على الإرادة الطيبة؛ لأنه ليس هناك نوع من الكائنات الحية يمكنه البقاء إذا كان أفراده عاقدي العزم وبوعي على إيذاء بعضهم بعضا. أما موراي روثبارد فقد كان أشدهم راديكالية، ويكاد يميل إلى الأناركية التي ترفض المفهوم تماما. ويتابعه هنا تقريبا الكاتب «مينكن» الذي يعلن تفضيله لحكومة تكاد ألا تكون حكومة على الإطلاق. في نهاية الكتاب، ثمة مقالة للكاتب ريتشارد إيبستن لم يتناول فيها الموقف من السلطة مباشرة إلا أنه يضع لها ثلاثة حدود تحد من سيطرتها، وهي: الفيدرالية، وفصل السلطات، وحقوق الأفراد وحرياتهم. مع ملاحظة أنه هنا كان يفكر في السياق السياسي الأمريكي، كأغلب الكتاب المقتبس منهم في هذا الكتاب، فهم يناقشون الحكومة في ظل النظام الليبرالي.