لا يمكن لثورة سياسية في مجتمع تقليدي لا ينتج، ومستهلك لمنتجات الغير أن تحقق أهدافها، لأنها ثورة شعارات مبنية على فراغ، ومشروعها كما تجلى في بلدان الربيع العربي صراع على السلطة. والحرية ليست إلا كلمة حق تنتج نقائضها، لقد تحولت الثورات في ظل غياب الإرادة الجمعية إلى قنبلة لتفكيك المجتمعات والدول، فها هو اليمن مثلا على شفا حفرة، وينتظر مصيره لينقسم إلى جغرافيات متنازعة إن لم يتدارك العقلاء واقع الحال. ماذا أنتج هذا الربيع؟ إنه يقود الجميع وكل طرف يدعي أنه صاحب الحق إلى صراعات عبثية تنتج فوضى مآلها إعاقة أمل النهوض، لقد تحول في ظل التناقض بين التيارات الفكرية والسياسية والصراع على المصالح إلى مدخل لتشتت الإجماع الوطني، وتوريط المنطقة في عبث مدمر . في خريف العرب تفقد الدولة هيبتها، ويحاصر القانون في إرادة التنظيمات والتكوينات المتنوعة، وتحول الناشطون إلى مناضلين بلا عناوين واضحة بعضهم يدير الدولة بعد السيطرة على المؤسسات بوعي الخلايا ، والأخطر أن الجماهير خاضعة لإلهاء مقصود، وتسير وراء ثورة فارغة من معاني الثورة، وفي خضم النزاع يصبح الوعي الجمعي المعبأ متحكما بالحدث مما أدى إلى سيطرة قيادات مرتهنة للغرائز لا للعقول. منطقتنا تحتاج إلى ثورة ثقافية فهي المقدمة الأولية لأي نهوض، والتحول الجذري لا محالة قادم، والأمر يحتاج إلى تحريك الطاقات التنويرية في المجتمع للعب دور محوري في التغيير، على أن تتكامل النخبة التنويرية مع النخبة السياسية المؤثرة والاتفاق أولا على بناء دولة القانون، وجعلها طاقة في خدمة الاقتصاد وفق منظور ليبرالي معتدل، ولابد من كتلة وطنية تاريخية تمتلك مشروعا واضحا قابلا للنمو المستمر. ومن المهم أن تتغير بنية النظام السياسي وفق حاجات الواقع، لا وفق الخيالات الثورية الغبية، وبناء أنظمة جديدة دون مخاطر يحتاج إلى تفكيك التنظيمات التي تشكل دولة داخل الدولة، ومحاصرتها بإدوات قسرية وناعمة وتمثل الثورة الثقافية الصدمة التي ستهدد وجودها، ويحاصر دورها السلبي، وتساعد الناس على فك طلاسم التخلف.