من النادر أن تتوفر لجميع المبدعين الأصلاء في مجتمعاتنا العربية فرصة مثالية للحياة على الطريقة التي تليق بهم وبمواهبهم الاستثنائية، وعدم توفر الظروف الملائمة لتلك الحياة يجبرهم على الاحتكاك اليومي بمواقف وأشخاص قد لا يحسنون التعامل مع خصوصية مشاعر المبدع ذي الإحساس المرهف، أو يتعاملون معه بالاحترام الذي يستحقه ك «إنسان» على أقل تقدير. بل ومن الناس من لا يكفون شرهم وأذاهم المستطير عن شخص هذا المبدع، حتى وإن لم يحاول الاحتكاك بهم أو التعامل معهم، إما لأمراض نفسية خفية؛ أو لأنهم لم يتلقوا قسطا وافيا من التربية في الصغر. ولأن المبدع يمتاز بتلك الحساسية النفسية الهائلة التي صنعت منه أديبا أو فنانا؛ فإن الألم الناجم عن تلقيه لتلك الضربات المؤذية المسيئة يكون بالغا شديد الخطورة، أشبه بمحاولة سحق حمامة سلام بريئة بأنياب غولة لا ترحم، خصوصا أن طبيعته المسالمة تأبى على صاحبها الرد بانتقام باطش وإن لم تعجز قدرته عنه. لذا نجد عددا غير قليل من المبدعين لا يختلطون بعامة الناس إلا بحدود كافية لوقاية مشاعرهم من الإيذاء، مكرسين أوقاتهم لأسرهم وهواياتهم والنخبة المخلصة من أصدقائهم الذين يثقون بهم وتطمئن لهم نفوسهم، وهو ما قد يعرضهم للرجم بتهمة «الانطوائية» أو «التكبر» أو «الغرور»، رغم أن الواحد منهم أبعد ما يكون عن تلك الصفات. عدا عن أن عشق المبدع لحرفته أو هوايته الإبداعية يدفعه لقضاء أوقات طويلة معها، وهذا يجعل لكل دقيقة من دقائق يومه قيمة مضاعفة تضطره لاختزال بعض أوقات المجاملات غير الضرورية والعلاقات المجتمعية التي تبدو أقرب إلى الفوضى وانعدام التنظيم لاستغلالها فيما يظنه أنفع وأجدى. للتواصل عبر تويتر: Twitter @zainabahrani