مازلت أذكر اليوم الذي أهدى فيه الأستاذ محمد صادق دياب يرحمه الله والدي أحد مؤلفاته «16 حكاية من الحارة»، حيث كانت تجمعهما صداقة طفولة وصداقة دراسة وكان يجمعهما حب الانتماء للحارة. ومازلت أذكر عيد الفطر والحج والعيدية والفطور في بيت جدي لأمي في حارة اليمن ومن ثم الذهاب إلى ألعاب العيدروس في حارة الشام. وفي ذاكرتي يوما الخميس والجمعة حيث الذهاب باكرا إلى فوال الحارة لإحضار الفول وعيش الحب والقشطة البلدي لكي تجتمع الأسرة على فطور نهاية الأسبوع. وكانت والدتي دائما ما ترسلني إلى سوق النورية لشراء الخضار واللحم وإلى سوق الخاسكية والعلوي لشراء بعض مستلزمات البيت. مازلت أذكر رائحة البيوت البلدية في حارة البحر، رائحة الرواشين والأبواب الخشبية والحجر المنقبي والأزقة الضيقة النظيفة. وأذكر أنه في فترة من الفترات قامت بلدية البلد مشكورة بإحياء حارة البحر من جديد، حيث إنها قامت بتبليط جميع أزقة حارة البحر بالرخام الفاخر ووضع أعمدة إنارة مشابهة تماما لفوانيس زمان، وذلك إحياء للتراث البلدي القديم ولكن وللأسف مع انقراض سكان حارة البحر وهجرتهم تمت إزالة تلك البوابات وباع معظم سكان حارة البحر بيوتهم إلى هوامير السوق، فأصبحت حارة البحر سوقا شعبيا وأصبحت الحارة من غير بوابات فترى سيارات النقل الكبيرة تدخل تلك الأزقة الضيقة المتهالكة محملة ببضائع التجار، تراها وقد دمرت ذلك الرخام الفاخر وقد تساقطت وأزيلت معظم تلك الفوانيس، فترى البيوت القديمة وقد تحولت إلى مراكز تجارية وترى كيابل الكهرباء ذات الضغط العالي السميكة جدا ممتدة فوق الأرض من دكان إلى آخر، وللأسف ترى الناس يمشون على تلك الأسلاك ولا يدرون أن هذه الكيابل قد تنهي حياتهم في ثوان معدودة. وأصبحت تشعر حينما تدخل حارة البحر كأنك غريب، مع العلم أن آباءك وأجدادك قد سكنوا تلك الحارة منذ مئات السنين، فهناك بيوت تصل أعمارها إلى خمسمائة سنة ويزيد. لذا فإني أهمس همسة في آذان المسؤولين في الأمانة انقذوا حارة البحر وأعيدوا لها تراثها لأننا نريد أن نحكي لأبنائنا تراث الآباء والأجداد. [email protected]