أول بدء أريد أن أصدع بأني لا أقبل أن يقال عني: إني مجامل! فليس ينبغي أن تكون الكتابة المجاملة من شأني، في سني، فأنا لا أكتب إلا ما أقتنع به. ولقد كنت كتبت، بعد، عن بعض النقاد السعوديين منفردين مثل عبدالله الغذامي، وسعيد السريحي، ومعجب الزهراني، وعبدالله المعطاني، ومنصور الحازمي... ولكني لم يتح لي أن أقول كلمة عامة تجمل رأيي في النقد السعودي المعاصر بعامة. ولعل الذي أغراني بالتوقف لدى هذا الموضوع صديقي الدكتور سلطان سعد القحطاني، بعد أن أهداني كتابه النفيس: «النقد الأدبي في المملكة العربية السعودية...»، فلقد قدم فيه للقارئ، غير الملم، من عامة القراء العرب، صورة مفصلة وشاملة، عن المدارس النقدية في مساراتها الفنية، في المملكة. وعلى الرغم من أني كنت أزعم لنفسي أني أعرف كثيرا عن النقد السعودي، إلا أني حين أعدت قراءة كتاب القحطاني أفدت منه كثيرا مما لم أكن أعلم. وقد طرح الكاتب عدة مسائل على غاية من الأهمية في كتابه هذا الكبير: بعضها منهجي، وبعضها معرفي، وبعضها إجرائي. ومما قرره القحطاني أن النقد السعودي نقدان: نقد تقليدي، وهذا نقد في معظم أطواره انفعالي وانطباعي، ويرفض أن يغذي إجراءاته بما جد في سوق النقد الغربية؛ ونقد حداثي، وهو كثيرا ما ينطلق من لحظته، فلا يعود إلى التراث النقدي العربي الذي توجد فيه بذور معظم التيارات النقدية الحداثية الغربية، وذلك ما جعله نقدا ضعيفا، بل في بعض أطواره عابثا. وقد أكرمني صديقي القحطاني بأن ذكرني في جملة من انطلقوا في حداثتهم من التراث العربي الإسلامي الغني، مع سعيد السريحي، بعد أن هضموه واستوعبوه... وأعتقد أن الدكتور القحطاني كان قاسيا جدا على نقاد المملكة الحداثيين حين يقرر أنه «لم يكن الناقد الحداثي (في المملكة) ناقدا منطلقا من أرضية تراثية مع بنية اللغة التحتية وتحليل النص...». أما أنا فأرى أن من النقاد الحداثيين في المملكة من هو واسع الإلمام بتراثنا النقدي، مستوعب له بوعي معرفي، ومنهم النقاد الذين ذكرت أسماءهم في صدر هذه المقالة، وحكم القحطاني قد ينطبق على النقاد الشباب، وهو حكم قد يعمم فيشمل إبداعهم أيضا. وهذا شأن عام يشيع، في الحقيقة، في معظم الحركات النقدية والأدبية في بلاد المشرق والمغرب. ويختم القحطاني كتابه بإيجاز رأيه في النقد السعودي، فيقرر حكما نوافقه عليه، وهو: «ليعرف الذين يقولون بعدم وجود نقد أدبي، في هذه البلاد، أنه بالفعل موجود».