ما زالت بعض الخلافات الطفيفة داخل صفوف المعارضة تشوب عملها، في الوقت الذي يمارس فيه النظام أبشع أساليب العمل السياسي من تحريض وفتنة وتقسيم المجتمع، وأسوا الممارسات العسكرية التي تتجسد في القتل بقصف المخابز وتدمير المدن. أمام هذه الصورة، على المعارضة السورية أن تعيد النظر إلى ذاتها. مخاطر تفتيت سورية من البديهي أن يكون التدافع أو حتى التناحر أحيانا هو السمة التي تحكم العلاقة بين التيارات السياسية، فكل تيار أو حزب سياسي يحاول قدر ما يستطيع أن يعلي قيمة ما يقدم من برامج ورؤى، ويقوم كل تيار أو فصيل بذلك طبعا في سبيل ترجيح كفته على حساب الآخرين، مما يعزز فرصته في الوصول لسدة الحكم، كل ذلك بات يعتبر من السلوكيات المقبولة في معايير وقيم التعاطي السياسي، ولا شك أن الصراع السياسي أمر بناء عموما، فالتيارات السياسية تتنافس في تقديم أفضل ما يمكن من تصورات وبرامج سياسية من ناحية، ومن ناحية أخرى، تمارس على بعضها البعض شكلا من أشكال الضبط والرقابة، مما يخدم بالضرورة رفع معايير الجودة في العمل السياسي، لكن ألا يمكن أن يكون هذا العمل الإيجابي الآنف الذكر أمرا بغاية السوء والخطورة في مواضع وظروف محددة؟ ألا يمكن أن تكون كلفة الصراع السياسي أحيانا كبيرة؟ لدرجة يمكن أن تضع وطنية من يمارس العمل السياسي حينها موضع شك؟. الإجابة برأيي هي «نعم» أن ذلك يرقى في بعض الظروف إلى درجة الخيانة، فنحن نقدر العمل السياسي لا لذاته، إنما بمقدار ما يبذل من جهد لخلق أوطان أجمل وأقوى وأكثر حرية واستقلالية، إذا كيف يكون واقع الحال إذا كان الصراع السياسي لا يسيس الأمور إلى ذلك الهدف النبيل، بل إلى عكسه تماما؟ أي أن يكون هذا الصراع بذاته مصدر تهديد للوطن. ومن أكثر الظروف إلحاحا والتي توجب تبني سلوك سياسي بعينه في لحظة بعينها، هو عندما يكون الوطن مهددا من خطر داهم سواء كان داخليا أو خارجيا، فما بالك إذا كان الاثنان معا كما هي الحالة السورية، فلا أظن أن أي عاقل ينكر بأن سوريا تمر بأخطر مرحلة مرت بها منذ نشوء هذه الدولة، فالأخطار كبيرة ولست بمعرض سردها الآن، لكن يمكنني أن أقول بأن من أهمها خطر تفتيت الوطن السوري، والسؤال هنا: ألا يضع ذلك النخبة السياسية السورية بوضع شبهة الخيانة من حيث ما يمكن أن ينتج عن تناحرها من كوارث؟ طبعا مع تسليمنا التام بحسن النوايا، ألا يجعل الإصرار بعناد على نمط تعاط سياسي أرعن رغم كل المؤشرات على مدى خطورته من توصيف الخيانة غير المقصودة مشروعا هنا؟ فالقتل العمد لا يختلف عن القتل الخطأ عندما يتعلق الأمر بالأوطان، فنحن هنا نعتبر النتائج ولا تعنينا النوايا، أي بمعنى آخر، ماذا يمكن أن تكون الخيانة إن لم تكن المساهمة من خلال ممارسات سياسية هوجاء وخلافات على تفاصيل تعتبر تافهة أمام خطورة الوضع السوري ببقاء وقوة نظام يقوم بتدمير البلاد وتهديد كامل وجودها؟، ألم يحن لساسة المعارضة السورية أن يرتقوا لمستوى الدم السوري النازف؟.