ثمة فئة من البشر حباها الله الوفاء، فبات صفة ملازمة لها، لا ينسون أعزاءهم وأحبابهم حتى لو انتقلوا إلى رحمة الله، تجدهم بين القبور يدعون لآبائهم وأمهاتهم وأقربائهم كافة، ومنهم من يتعامل مع الموتى كأنهم أحياء، فتراه يشكو لوالده همومه داخل قبره، أو يبشره بإنجاز حصل عليه كما لو كان أبوه على قيد الحياة، في صورة تحث على بر الوالدين وهم على البسيطة، قبل الوصول لمرحلة الحسرة والندم على التفريط في حقوق (أغلى الناس). أكد عبد الكريم صالح السعدي أنه لا تمر عليه أي جمعة دون أن يزور المقبرة للدعاء لجدته المتوفاة منذ أربع سنوات، مشيرا إلى أنه سيسعى جاهدا للاستمرار في هذه الزيارة ما دام على قيد الحياة. وقال: «برحيل جدتي -رحمها الله-، فقدت إنسانة كانت تمثل الكثير في حياتي، فهي الموجه والمربي لي، وتحثني على المكارم وتجنب سفاسف الأمور، وتسعى جاهدة لراحتي، كانت قريبة مني كثيرا، وبعد رحيلها شعرت بفراغ كبير في حياتي، فهي لم تبخل علي يوما بشيء»، مشيرا إلى أنه يستأنس ويشعر براحة الضمير حين يزور قبرها للدعاء لها وقراءة القرآن على روحها. بينما يداوم عبد الحميد الغشيري على زيارة المقبرة للدعاء لوالده الذي توفاه الله منذ ستة أشهر، وخاله الذي انتقل إلى رحمه الله تعالى منذ عام. وقال الغشيري: «أصعب ما يواجهه الإنسان فقد عزيز، وما زلت أبكي على والدي وكأنه توفي اليوم، لا أرغب أن أشعر بالتقصير تجاه هذا الرجل الذي رباني كل تلك السنين وسهر لأجلي، حتى عندما كبرت وتزوجت لم يبخل علي باهتمامه»، مؤكدا أنه لا يتردد في زيارته أسبوعيا والدعاء له بالرحمة والمغفرة. وأوضح أن خاله الذي توفي قبل عام دفن بالمقبرة ذاتها، ودائما ما يزوره ويلقي عليه التحية، داعيا الله أن يرحم ويغفر لجميع موتى المسلمين. أما رائد حمدي فيزور قبر والده المتوفى منذ ثلاث سنوات أسبوعيا، ليسلم عليه وينقل تحيات أهله له، والدعاء له بالمغفرة والرحمة. وقال: «أتحدث إليه بكل همومي وأشعر أنه يسمعنى كما لو كان حيا، رحمه الله، حتى أثناء فرحي أسرع بالمجيء إليه لأدعو الله له، فهو رباني خير تربية وكان سببا بعد الله فيما أنا فيه من خير»، مؤكدا أنه لن ينقطع على زيارته مهما تعاقبت السنون. بدورهم، طارق وكريم ونادر البدراني ومعهم الطفل ريان قالوا ل«عكاظ» خلال تواجدهم في المقبرة إن والدهم رحمه الله كان مريضا، وعانى من مرض السكري وضغط الدم والفشل الكلوي والكبد، وبعد صراع مع المرض إنتقل إلى رحمة الله»، مؤكدين أنهم لم يتخلوا عنه وسيزورونه أسبوعيا وسيحرصون على الدعاء له، مشيرين إلى أنهم سيعودون أطفالهم للمجيء لزيارة جدهم كل أسبوع، «فهذا أقل ما نفعله وفاء لهذا الرجل رحمه الله». بينما، أكد محمد الباروم أنه لم ينقطع عن زيارة والده في قبره منذ أن توفاه الله قبل نحو 11 عاما، مشيرا إلى أنه يحرص على زيارة والده كل جمعة، وفي المناسبات والأعياد وعند دخول شهر رمضان. وقال: «أشعر بالراحة حين أزوار والدي والدعاء له، فأنا ابنه الذي أتمنى أن أكون صالحا والدعاء يفيد الميت ويسعده». ويلتزم ناصر الطلحي بزيارة صديقه خالد الموسى الذي توفي إثر حادث سير قبل نحو سنتين، وقال: «كنا في مركبة واحدة، وارتطمت بنا شاحنة، توفي على إثرها صديقي خالد ونجاني الله بأعجوبة من الحادث الذي جعلني طريح الفراش لأكثر من ثلاثة اشهر، شاء الله أن يموت صديقي وأعيش أنا، وما زلت أحضر كل جمعة للدعاء لصديقي رحمه الله وغفر له». وعلى مقربة من الطلحي كان هناك محمد عبدالباري الذي حضر لزيارة زوجته المتوفاة منذ عشر سنوات، وذكر وهو يحاول إخفاء أحزانه: «لم تكن زوجتي كبيرة في السن عندما توفاها الله، بل قضت وهي في ال35 من العمر، بعد صراع مع المرض الخبيث الذي داهمها في رأسها». وأضاف: «كان عمري حينها 40 والآن أنا في ال50 ولم أتخل عنها، بل تجدني أسبوعيا هنا أدعو الله لها بالرحمة وأن يرزقها الجنة وأن يبدلها دارا خيرا من دارها، لم تكن هذه المرأة زوجتي فقط بل هي بمثابة صديقتي وأمي وأختي وأغلى شيء في حياتي».