لا شيء يعلو على مصطلح «الدستور» لمن يتابع الأخبار السياسية هذه الأيام رغم أن العالم يزدحم بالأحداث الساخنة من مالي وحتى بورما، وكل ذلك بسبب ردة فعل القيادات السياسية والمجتمع المدني المصري على مسيرة كتابة وإقرار دستور جديد لمصر. الأمر الذي أثار جدلا كبيرا حول صلاحيات المحكمة الدستورية ولجنة صياغة نصوص الدستور ومن له الحق في التصويت وأخيرا كيفية التصويت عليه. وتعددت المواضيع واختلفت آراء فقهاء القانون الى التناقض مما جعل الأمر ملتبسا على المتابع العادي للأحداث. وبعيدا عن واقع المشهد السياسي المصري الذي سوف يكون اليوم ولمدة أسبوع في اختبار الموافقة أو الرفض سوف نستجلي هنا دلالة هذا المصطلح الذي غدا مرجعية اساسية لعلاقة الحاكم بالمحكومين او محددات السلطة والشعب من واجبات وحقوق. البداية لهذا الشكل من التحديد او ما اصطلح عليه بالدستور انطلقت بداية من بلاد الرافدين العراق في 2000 قبل الميلاد كما تجسد ذلك في شريعة حمورابي التي استطاع الآثاريون ان يكشفوا النقاب عنها 1877. ورغم ان المتعارف عليه في كل المراجع التاريخية ان الأولوية لشريعة حمورابي الا المصريين يقولون ان البداية كانت في مصر مستندين الى قانون تحوت الذي اصدره الملك مينا 4200 قبل الميلاد. الدساتير الأولى بعد المحطات الأولى في العراق ومصر ظهرت الدساتير الأولى في حياة البشرية أولا في أثينا حين أعد دراكو أول دستور لأثينا عام 621 قبل الميلاد وكان في مجمله قانون عقوبات بل انه سن عقوبة الإعدام في كثير من الجنايات. ولكن هذا الدستور مر بعدة اصلاحات أهمها ما فرضه الفيلسوف أرسطو عام 350 قبل الميلاد حيث فصل بين القانون العادي والقانون الدستوري بل انه وضع كتاب دستور أثينا. وبعد أثينا أعدت روما ما يشبه الدستور حين أصدرت القانون الروماني في القرن الرابع قبل الميلاد. ثم اصدرت الحضارة الهندية دستورها الاول في مراسيم اشوكا. هذه الدساتير كلها خرجت للنور في عصور ما قبل التاريخ وهيمنت على ملامح العالم القديم ولكن مع بدء الألفية الأولى بدأت تخرج من ارث الحضارات الرومانية واليونانية بوادر دساتير جديدة في اوروبا ابرزها كان القانون الجرماني الذي غطى قلب اروبا الى الجزيرة البريطانية. وفي نفس الوقت تقريبا أصدرت اليابان دستورها الاول حسب ما تواتر لنا وكان مكونا من 17 مادة. ثم وضع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أول وثيقة قانونية في الإسلام حين كتبت وثيقة المدينة في السنة الأولى للهجرة لتنظيم العلاقة بين المهاجرين وسكان المدينة من الأنصار واليهود. وكان آخر قانون وضع في القرن الاول هو قانون ويلز الذي صدر عام 950. دساتير الألفية الثانية مع مطلع الالفية الثانية كانت الامبراطوية الروسية هي صاحبة السبق حين صدر القانون الروسي عام 1054. وتوالت بعد ذلك الدساتير حيث أصدر الملك هنري الاول في انجلترا عام 1100 ميثاق الحريات الذي تم تطويرة بعد ذلك ليصدر دستور ماجنا كارتا الذي صدر عام 1215 ومن نصوصه نجد المادة 39 تنص على التالي (لا يجوز القبض على أي إنسان حر، أو سجنه، أو حرمانه من ممتلكاته، أو نفيه، أو أذيته بأي شكل من الأشكال، إلا بموجب حكم قضائي من أقرانه، أو من قبل قانون البلاد). وبعد انجلترا مضت مملكة صربيا خطوة اخرى في الاتجاه حين صدر عام 1219 القانون المدني الصربي الذي استند في نصوصه الى القانون الروماني والقانون الكنسي ثم قدمت مملكة المجر دستورها للعالم في عام 1222. الدساتير الحديثة أقدم دستور مكتوب لدولة ذات سيادة ولا يزال ساريا الى اليوم هو دستور إمارة سان مارينو وهو مكتوب باللغة اللاتينية، ويتألف من ستة كتب. الكتاب الأول منه في 62 مادة وخصص للمجالس والمحاكم والمسؤولين والاختصاصات الموكلة إليهم. اما الكتب الخمسة الأخرى فتغطى الجوانب الجنائية والقانون المدني والإجراءات القضائية وسبل العدالة وقد كتب هذا القانون في عام 1600. ننتقل مباشرة الى العالم الجديد حيث وضعت مستعمرة كونيتيكت في 1639، اول دستور في امريكا الشمالية وكان يحمل اسم الأوامر الأساسية، ثم توالت الدساتير الحديثة تتناسل في اوروبا ومنها الدستور الكورسيكي عام 1755 و الدستور السويدي عام 1772 والمستعمرات الانجليزية في العالم الجديد حيث اصدرت 13 ولاية دساتيرها القانونية الخاصة والتي انضوت بعد ذلك تحت مظلة (مواد الاتحاد الكونفدرالي و دستور الولاياتالمتحدة). الدساتير الديموقراطية في المرحلة التالية أو في العصر الذي يطلق عليه عصر التنوير وبوجود فلاسفة مثل توماس هوبز، و جان جاك روسو، وجون لوك بدأت تظهر الدساتير المستنيرة او الديموقراطية وكانت البداية مع دستور الولاياتالمتحدةالامريكية الذي صودق عليه في 21 يونيو 1788، ثم صدر الدستور البولندي الليتواني في 3 مايو 1791، و الدستور الفرنسي في 3 سبتمبر 1791 والدستور الاسباني عام 1812 الذي يعتبر نموذجا ليبراليا لدساتير جنوب أوروبا وأمريكا اللاتينية مثل الدستور البرتغالي عام 1822، أو الدستور المكسيكي عام 1824. وأدت الثورة الصربية إلى إعلان دستور بروتو في عام 1811. الدستور المصري تشير الأحداث في مصر هذه الايام حول الدستور الى مسيرة طويلة تمتد الى عام 1795 حيث كتبت اول وثيقة – دستور تحدد شكل العلاقة بين الشعب المصري وحكامه من المماليك. أصدر المصريون دستورا جديدا في 1882 ولكنه لم يطبق، أول دستور بالشكل الحديث للدساتير صدر في 19 إبريل عام، 1923، ألغت وزارة إسماعيل صدقي دستور 1923 وأصدرت دستور 1930 ولكن هذا الدستور لم يستمر اكثر من سنتين ليعود العمل بدستور 1923 الذي استمر العمل به حتى اندلاع ثورة يوليو 1952. بعد ثورة يوليو كانت الاعلانات الدستورية هي القائمة لمدة اربع سنوات حتى صدر دستور 1956. في عام 1958 أعلن دستور الوحدة إثر قيام الجمهورية العربية المتحدة باتحاد مصر مع سوريا واستمر العمل به حتى 25 مارس 1964. صدر آخر دستور في مصر 11 سبتمبر 1971. عبدالرزاق السنهوري لا يمكن الحديث عن الدساتير او الدستور المصري تحديدا دون الحديث عن الفقيه القانوني الكبير عبدالرزاق السنهوري الذي يعتبر من ابرع واشهر القانونيين المصريين والعرب وسوى انه شارك في وضع الدستور المصري بعد ثورة 1952 فإنه وضع ايضا دساتير الكويت والسودان والإمارات اضافة الى القوانين المدنية لمصر وسوريا والعراق وليبيا. محطات دستورية - جل الدساتير خرجت للنور بعد ثورات وحركات سياسية كبرى. - كل الدساتير تشرع في نصوصها الفصل بين السلطات (التنفيذية، والتشريعية والقضائية) وأول من اطلق مصطلح الفصل بين السلطات هو البارون دي مونتسكيو. - الدساتير في كثير من الأحيان، محمية من قبل هيئة قانونية مهمتها هي تفسير تلك الدساتير وهذه الهيئة هي المحكمة الدستورية. - المملكة المتحدة لا تعتمد الدستور ولكن تمارس مبدأ السيادة البرلمانية التي تشرع بموجبها القوانين التي يقرها برلمان المملكة المتحدة. - دستور الهند هو أطول دستور مكتوب لدولة ذات سيادة في العالم، ويحتوي على 448 مادة. - في حين أن دستور الولاياتالمتحدة هو أقصر دستور مكتوب في 7 مواد.