صدر العدد الرابع والعشرون من مجلة «التسامح»، (الفصلية الفكرية الاسلامية)، عن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في سلطنة عمان، وفي افتتاحيته، التي تقدم لمواضيع محور العدد وعنوانه: «العدالة وحكم القانون»، كتب عبدالرحمن السالمي، رئيس التحرير، تحت الآية الكريمة: «ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون» أن هذه الآية تظهر سمتين: هما سمة القصاص، وسمة الحياة، وبذلك تجمع الآية بين الأمرين: أمر العدالة، وأمر الشرع. ثم أشار الى أن العقود الخمسة الماضية شهدت تطورات هائلة ضمن الأنظمة التي تعتنق حكم القانون، فظلت مشكلات العدالة وقضاياها شغل البشرية، واليوم يتجدد النقاش على خلفيات عولمة الأسواق والتشريعات، والمعنى المتجدد للتعددية والديموقراطية وعلاقة الانظمة السياسية بحكم القانون. أما البحث الأول فكان للدكتور رضوان السيد، مستشار التحرير، بعنوان: «العدالة وحكم القانون في التجربة الاسلامية»، تناول فيه تطور النظام القضائي الاسلامي، فالحكم العادل الذي تأسس على الشورى ميز عهد الخلافة قبل تحوله الى ملك عضوض، ومع تطاول الزمن صارت الشرعية وظيفة، وتركز معنى العدل في المجال القضائي فقط. وما استقلت السلطة القضائية الا مع ظهور فقهاء الأمصار ثم المذاهب الفقهية، فجرى التسليم بالتمايز بين الشريعة والحكم السياسي، وحظي القضاء بشعبية كبرى. وكتب أحمد الخمليشي بحثاً في «ثنائية القانون والشريعة - الأسباب والآثار ومحاولة العلاج»، فحلل الاختلاف بين «القانون» و «الطاغوت» بدراسة مصطلحي: القانون والشريعة، ورأى أن أسباب وصم القانون بالطاغوت هي: صلاحية التفسير والاجتهاد المنوطة «بالمجتهد». وكتب عوض محمد عوض في: «فلسفة العقوبة في الفقه الاسلامي»، باحثاً في تفاصيل مفهوم العقوبة التي يراها الفكر الجنائي موجهة الى العدل والى الردع العام، وعلى المشرع أن ينسق بينهما، فإذا عز عليه رجح كفة الردع الخاص - وهو نفعي - على كفة العدالة، لأن غرضها أدبي. وهو ما يعارضه الباحث، فالعدالة برأيه ليست مثالية فحسب بل نفعية أيضاً. وأحكام الشريعة المنزلة تتوخى العدل وأغراضاً أخرى تأتي بالتبعية. ومقصد العدل يبينه دورها، وهو: «مبدأ الشرعية، فلا تكليف قبل ورود الشرع، ثم مناط المسؤولية، فالجاني ينبغي أن يكون أهلاً يسأل عن أفعاله، ثم يأتي شرط العلم لاستحقاق العقاب أي العلم بالقانون والعلم بالواقع، أو كما قال الفقهاء: العلم بالحكم والعلم بالعين. ولا بد من تحديد المسؤولية بالتالي في العقاب، ف «لا تزر وازرة وزر أخرى». أما برهام محمد عطا الله فقدم بحثاً مميزاً عن: «تأثير الفقه الاسلامي على القانون الانكليزي» فبعد أن بيّن انتساب غزاة انكلترا النورمانديين الى المجموعة نفسها التي غزت صقلية، حيث كان تطبيق الشريعة الاسلامية ما زال معمولاً به، وفي الوقت نفسه الذي بدأت الحروب الصليبية الأولى وانكفائها محملة بحضارتنا لتبدأ في أوروبا عصور النهضة، استعرض الباحث بعض النظريات التي تبناها القانون الانكليزي، مثل العقد الناقل للملكية، والذي يتم في الشرع الاسلامي بمجرد الايجاب والقبول، والذي اعتمد في عهد هنري الثاني، ومثل أحكام تحقيق استلاب الحيازة والذي طبق عام 1155 والعائد خاصة الى الفقه المالكي، كذلك نظام الاثبات بالتعذيب بالنار والماء الغالي، الذي كان معتمداً ثم ألغي عام 1215، بعد أن لمس النورمان النظام الانساني المتقدم عند مسلمي صقلية، أما نظام الترست فمصدره نظام الوقف الاسلامي، كذلك نظام الاقراض أو الشراكة المضاربة. وكتب الباحث فايز حسين دراسة مقارنة في «العرف والتشريع في النظام القانوني الروماني الفرنسي والنظام القانوني الأنكلوسكسوني»، بيّن فيها أن القانون الفرنسي، الذي استمدت منه معظم البلاد العربية، تأسس على القانون الروماني الذي اعتمد على العرف بداية، ثم بتأثير الفلسفة الاغريقية حدث تغيير هيكلي فيه. وجاء جوستنيان فجمع التراث القانوني الروماني الذي انتقل الى دول أوروبا، فصار التشريع هو المصدر الأول للقانون في فرنسا. أما القانون الانكليزي، فبداية خلط بين القواعد العرفية ومجموعة تشريعات، حتى مجيء النورمان الذين حققوا وحدة النظام القانوني. وعن «العدالة والحرية: تعارض أم تكامل؟» بحث محمد سبيلا في المفهومين، فذكر أن العدالة اعتبرت فضيلة اخلاقية لا صيغة قانونية، حتى العصور الوسطى، حين تحول المحدد النهائي للحق والعدالة من المعيارية المستوحاة من الطبيعة الى نظام معياري ميافيزيقي، لكن منذ القرن الخامس عشر انتقل هذا النظام الى «نظام الارادة والعقل» مرتبطاً بفكرة المساواة. كذلك مفهوم الحرية فقد تدرج حتى العصر الحديث، ليرتبط بما سمي «حرية الضمير» لكن التطور المعرفي الهائل، اليوم، أثبت أن الانسان منشرط ومشروط بسلاسل من الحتميات، وكأن حرية الارادة التي أقنمها «كنط» صارت أكذوبة، أو «خطأ نافعاً» في أحسن الأحوال. ثم درس الباحث مفهوم الليبرالية: المتطرفة والمتوحشة، وضرورة وضع حد لغلوائها، وهو ما عالجه «رولز» في نظريته. واستعرض عبدالسيد ولد أباه: «نظرية العدالة لدى جون رولز»، معتبراً اياها أهم محاولة فلسفية لبناء قاعدة نظرية صلبة للممارسة الليبرالية الحديثة، مبيناً أن النموذج التعاقدي عجز عن توفير العدة النظرية للديموقراطيات المعاصرة في مواجهة الفلسفات النفعية التي تدعي التعبير عن القيم الليبرالية للمجتمعات الراهنة. وكتب شفيق المصري في «فصل السلطات وحكم القانون»، منطلقاً من أن فصل السلطات كنظرية لا تستقيم من دون حكم القانون الذي ينظم هيكلياتها ويرعى ديناميتها ويحدد العقاب لمن يتجاوز حدودها. وضمان الفصل هذا يصون الحقوق والحريات، ويحقق المبادئ العامة للشرعية الدولية. ولهذا يشكل ركناً أساسياً من الأركان الدستورية في الدولة، ومونتسكيو كان الأول الذي نادى في كتابه «روح الشرائع» بهذا المبدأ. وفصل السلطات مسألة يقررها دستور الدولة، علماً أن حكم القانون يبدأ بالدستور، وقد يعمد القانون الى معاقبة هذه السلطات أو شاغليها، والخلاصة أن القصد من فصل السلطات هو تعزيز استقرار الدولة، وأن حكم القانون الذي ينطبق على الجميع يهدف الى فرض الانتظام وضبط مفاصله الأساسية. كما كتب بو شعيب أوعبي في «مبدأ حكم القانون في اطار الحقل الدستوري»، فعرف المفهوم العام لهذا المبدأ في دول العالم، وبين أهميته في الدساتير الحديثة كافة، وفي ترسيخ آليات الديموقراطية. ما جعل له قيمة عالمية. وهو ليس من صنع الغرب أو فكر الثورة الفرنسية فقط، فلنا أمثلة في مجتمعات سابقة من خلال ألواح حمورابي أو مفهوم الديموقراطية عند اليونان، وفي تصور المدينة الفاضلة لدى افلاطون. كما أن الشريعة الاسلامية شيدت أفضل نموذج لها من خلال انضباط المسلمين كافة بالحكم الاسلامي. وفي «ضمانات استقلال العدالة في الأنظمة السياسية المعاصرة»، كتب أحمد مالكي أن مفاهيم القانون والقضاء والعدالة مرتبطة بعلاقة تلازمية وطردية، أما ضمانات استقلال السلطة القضائية فمردها أولاً الى الضمانات الدستورية، المعتمدة في الدول الأوروبية، كما نجد ذلك في جل الدساتير العربية، والى الضمانات الاساسية التي يوفرها مبدأ فصل السلطات، والضمانات الثقافية، وهناك نمطان من الثقافة هما: ثقافة المشاركة التي تساعد على مبدأ الاستقلال، وثقافة الاتباع التي تعوقها. ومردها ثانياً الى الضمانات المؤسسية التي تضمن تعيين القاضي ونقله وترقيته وتأديبه وعزله، وهي في دول كثيرة منوطة بمجالس قضائية منتخبة، لا بسلطة الدولة، كي يشعر القاضي بالامان وعدم الولاء لأحد سوى لمؤسسته. وآخر بحث في محور العدد كان عن «العدل بين الخطاب القرآني والتراث التفسيري (الرازي والقرطبي أنموذجين)»، كتبه أحميدة النيفر. وفي باب «دراسات»، كتب محمد زاهد جول عن «النص والتأويل: استراتيجيات القراءة المحدثة» في بحث تفصيلي، استعرض فيه قراءات المفكرين المحدثين للنص القرآني، في رغبتهم النهوض بالواقع العربي الإسلامي، من اجل حداثة إسلامية جديدة. كما كتب فؤاد بو علي في «الأسس المنهجية للقراءة الحداثية للنص القرآني: محاولة في التفكيك والتأسيس»، مشيراً الى ان القراءات الحديثة للنص القرآني تقوم على الثورة على الموروث أياً كان مصدره أو قيمته، والسؤال الإشكالي هو: كيف نقرأ القرآن قراءة تسهم في تحرير الواقع العربي من تبعات الهزيمة والانحطاط؟ وهي أربع قراءات معاصرة: أدبية حاولها أمين الخولي وأدونيس، لأنسنة النص وتجاهل مقوماته الروحية وإيديولوجية حاولها حسن حنفي لتأكيد التوظيف المجتمعي للنص القرآني، وتأويلية ليغدو النص ظاهرة ثقافية تخضع للتفكيك حاولها محمد أركون ونصر حامد أبو زيد، ثم القراءة المعرفية التي تناولها محمد عابد الجابري، الذي أبقى تعامله مع النص وفق مبدأ: جعل المقروء معاصراً لنفسه وللمتلقي. ثم فصل الباحث في قراءة الجابري ناقداً ومنتقداً. وكتب صابر الحباشة دراسة بعنوان: «من آليات تحليل الخطاب: العقد وفهم القرآن للمحاسبي (مشروع مقاربة)»، تناول فيها نص المحاسبي: ماهية العقل وحقيقة معناه. وآخر دراسة كتبها عبدالمالك أشهبون في «فواتح السور في القرآن الكريم (الوظائف والرهانات الفنية)»، فأعاد ما قاله السلف من الفقهاء في البسملة، وكيف تم ترحيلها من المجال الديني الى مجالات دنيوية مرتبطة بفن القول الشفوي منه والمكتوب، فغدت سمة أسلوبية خارقة لكل الأزمنة. وفي باب «وجهات نظر» كتب أسامة المتني في «التثاقف العربي خلال العصر العباسي الأول (حركة الترجمة نموذجاً)»، مبيناً ان اهتمام العباسيين، خلفاء وقادة وعلماء بالترجمة، كان استجابة خلاقة لحركة علمية عامة. وكتب ميخائيل كلينكنبرغ عن «صورة الشرق في الأدب والفن الفرنسيين منذ القرن السابع عشر حتى نهاية القرن التاسع عشر» وبحثه إيجاز لدراسة موسعة يحضرها، واختار اعمالاً أدبية وفنية كثيرة تشهد لطروحاته. وعن «مستقبل العالم العربي في القرن الحادي والعشرين»، كتب برنارد لويس وجهة نظره، مشيداً بحفظ العرب للتاريخ، واستخدامهم محطاته في بياناتهم وإعلامهم، كما حدث في الحرب العراقية الإيرانية مثلاً، هذا الإحساس بالتاريخ ولد عندهم الشعور بالإحباط، فبعد صدمة احتلال نابوليون لمصر وإخراج الإنكليز له، عرف العرب ان الاستعمار يترصدهم، وسقطت تركيا وزالت الخلافة، ثم تعرضت كل دولة عربية للاستعمار فترة، وقد تكون الفترة قصيرة لكن الهيمنة تطول، ومع وجود قطبين كانت القوة المحلية تسعى مع واحدة منهما من اجل الوصول الى بعض الاستقلال، فلما بقيت اميركا وحدها بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، حاول العرب اللجوء الى قوة أوروبا في التفتيش عن قطب مقابل. وما زال كثيرون يشكون من زيادة الإمبريالية في اميركا، والواقع، الذي يراه الباحث، ان النقص في امبرياليتها هو الظاهر. اما مشكلات العرب اليوم فمردها الى مسألة فلسطين ومسألة العراق. وآخر وجهة نظر كتبها جورزي زدانوسكي عن «التحديات المعاصرة للمجتمعات المسيحية والإسلامية»، بناء على ان الوضع الراهن للعلاقات بين معتنقي المسيحية والإسلام مترد للغاية. والخصومة الدينية هي واحدة من القضايا الشائكة بينهم، ولها جذور تاريخية، لكن مشكلة الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني هي التي تثير شعور المسلمين بالظلم، وتبقي فتيل الخصومة مشتعلاً. كذلك الحرب على العراق، والخوف من «اسلمة أوروبا»، فالمطلوب اليوم هو التسامح والتفاهم المتبادل، وعلى أوروبا ان تتجاوز مخاوفها من جيرانها وتساعدهم، وعليهم هم ان لا «يديروا ظهرهم» لأوروبا ثقافياً وعلمياً. وفي باب «آفاق» كتب نور الدين الخادمي عن «المجتهد المعاصر وحقوق الإنسان»، ورأى ان مرجعيته: شرعية (الكتاب والسنة)، ولغوية، وتزكوية تعنى بحالته التربوية. اما واقعيته فترتبط بعلمه بأحوال حقوق الإنسان وأنواعها ومداخلها وحالاتها الشائكة. وتكون منهجيته في التكييف والتخريج والإلحاق والقياس، وتكون مسالك تنزيل المرجعية على الواقع في مستويين: الجزئية والكلية. وكتب أحمد محمد بكر موسى في «الأبعاد الاعتقادية لحقوق الإنسان»، مفصلاً دور هذا الإعلان العالمي في التبشير بمضمونه وتشويه ما في العقائد الأخرى. وفي «حقوق الطفل بحسب اتفاقية الأممالمتحدة والإسلام»، كتب جميل حمداوي مقارناً، بعد تفصيل ما في ميثاق اتفاقية حقوق الطفل من: حقوق أسرية ومدنية وسياسية وصحية ومالية وتربوية واجتماعية وثقافية واقتصادية وقضائية ودولية، وما في الإسلام من حقوق للطفل استناداً الى آيات كريمة وأحاديث شريفة، ليخلص الى ان هذه الحقوق العالمية المعلن عنها ذات المرجعية الغربية لا تتعارض مع الحقوق الإسلامية للطفل السوي والمعاق. وكتب زكي الميلاد في «الفكر الإسلامي والنزعة الإنسانية»، مستعرضاً ما أورده علي شريعتي وهشام جعيط في مقالتين لهما عن وجود نزعة إنسانية في الثقافة الإسلامية، في رد على مواقف أوروبية تزعم العكس. وكتب هادي حسن حمودي في «الإنسان والسنن الإلهية في الكون والحياة»، منطلقاً من تعريف السنن الإلهية بالقوانين التي تنظم العالم، وبأن الإسلام يوجب علينا ان نظل دائبين في البحث وطلب العلم لفهم سننه. كما كتب خالد محمد عزب في «الأحكام الفقهية المنظمة للحمامات في مدينتي القاهرة ورشيد»، معدداً ما بقي من حمامات في المدينتين، وواصفاً أمكنتها وأبوابها وأنواعها. وفي باب «الإسلام والعالم» عرضت المجلة تلخيصاً لمقالة البروفسور شتفان ليدر: «وجوه الوعي بالإسلام في ألمانيا من عصر النهضة الى القرن التاسع عشر». كما عرضت المجلة مقالة البروفسور هاينر بيليفيلد عن «صورة الإسلام في ألمانيا (الإسلاموفوبيا) مفاهيم متباينة وخيارات سياسية للتعامل»، مشيراً الى ان صورة الإسلام اليوم في ألمانيا وفي بلاد أخرى هي أقرب للسلبية، بعد هجمات 11 ايلول (سبتمبر).