الحوار هو الاستماع للرأي الآخر ومجادلته وعرض الرؤى المختلفة حول قضية خلافية لا تشترط الاتفاق نهاية ولا فرض الرأي الواحد بداية. والخطاب هو الصيغة التي نختارها لإيصال أفكارنا إلى الآخرين وهي الصيغة التي نتلقى بها أفكارهم فيخرج الخطاب بذلك من المفهوم الضيق إلى المعنى الرحب الدال على البنية الذهنية المنتجة لكل ما نكتبه ونقوله ونتحاور بشأنه من مقالات مكتوبة وحوارات عبر وسائل الإعلام التقليدية والجديدة. أما الخطاب الثقافي فهو ليس النصوص المكتوبة والمحكية بحد ذاتها أي ما يكتبه أو يقوله الفرد، ولكن المقصود به كل نشاط إنساني يتجاوز حدود اللغة المنطوقة مكتوبة أو محكية ليصل إلى الذهنية المنتجة لذلك الخطاب. الحوار حول «الثوابت الوطنية في الخطاب الثقافي» الذي نظمه مشكورا مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني يومي 27 28 من شهر محرم في مدينة الرياض لم يكن سهلا ولا سلسا إذ اكتنفته ضبابية وهلامية في المصطلحات، انتهى الحوار ولم نتوصل لتعريف واحد متفق عليه حولها. فالعنوان كان مثيرا لتوجس المشاركين على اعتبار أن الثوابت أمر غير قابل للاختلاف عليه. لكن الطروحات الجادة للكثير من المشاركين والمشاركات أزالت ذلك التوجس وكشفت عن زوايا التماس ما بين الثابت والمتغير والتي يمكن طرحها للحوار والنقاش والاختلاف خاصة أنها تتقاطع مع القضايا الشائكة في مجتمعنا مثل قضايا الانتماء والحقوق والوطنية والانتماء والطفل والعمالة والحريات الشخصية وحقوق الأقليات والتعليم والصحة والخدمات التي تهم شرائح كثيرة من الأفراد في المجتمع. هناك بعض الإشكاليات التي تواجهنا في مفهوم الحوار وآلياته وتطبيقاته. من هذه الإشكاليات أننا نأتي إلى الحوار بآراء مسبقة معلبة وجاهزة ليست مستعدة لسماع ما يقوله الآخرون فضلا عن عدم قدرتها على التحاور التفاعلي وبالتالي يخرج المتحاورون أشد تمسكا بآرائهم وقناعاتهم التي لا تتزحزح. الإشكالية الثانية هي أن يقرر طرف واحد في القضايا الخلافية ثم يدعو للحوار حولها فذلك يعني وضع الآخرين أمام الأمر الواقع في أحسن الأحوال أو الاستخفاف بهم في أسوئها. ولذلك غالبا ما نجد أنفسنا أمام نهاية مسدودة عند نهاية الحوار فلا استمعنا للآراء المختلفة عن آرائنا ولا وصلنا لقناعة بأحقية التنوع والاختلاف فضلا عن أننا نعطي المفاهيم النسبية حكما قيميا ثابتا إيجابا أو سلبا وننطلق في حكمنا عليها بناء على تلك القيمة المعطاة خلال الحوار.. وتحديدا فقد كانت الإشكالية المطروحة في اللقاء الخامس للحوار الثقافي تكمن في أن مفهوم «الثوابت» مثله مثل مفهوم «الاختراقات» كلاهما مفهومان نسبيان، فما يعتبره البعض من الثوابت قد يراه الآخرون متغيرا بناء على مدى توسيع أو تضييق مفهوم الثوابت سواء كان ذلك نتيجة الاختلافات المذهبية الفقهية أو التوجهات الفكرية للمشاركين في الحوار. فالثوابت بشكل عام، خاصة ما يتعلق منها بأمور دنيانا ومعيشتنا في العصر الحديث ليست واحدة لجميع الفئات والمدارس الفقهية وقد يكون الثابت لدى أبناء المذهب الشيعي هو غيره لدى أفراد المذهب السني كما قد يكون الثابت لدى المتشددين من أفراد المذهب الواحد غيره لدى الأفراد الأقل تشددا. إن نظرة فاحصة لخطابنا الثقافي توضح مدى ما نعانيه من عصبية وعنصرية وتأجيج طائفي تضج به قنواتنا الإعلامية على اختلاف توجهاتها وكل يدعي الحقيقة والحق المطلق ويطلق لنفسه العنان للسب والشتم بل وحتى القذف والتجريح الشخصي لمن يعتقد أنهم يخالفون قناعاته القائمة على «ثوابته» الشخصية. وما التشدد في خطابنا الثقافي حول عمل المرأة وطريقة مشاركتها في الحياة العامة إلا مثال فاضح لمن يعتقد أن ذلك من منطلق الثوابت التي يجب الحرب من أجل حمايتها. [email protected]