جسر معلق يربط سكان العروس بالبحر ، يصلهم بالنسيم الذي يناديهم بعليل نفحاته من الجهة الشمالية ويجعلهم على مقربة مشهد الغسق الساحر ، وسحر رمال الشواطئ الذهبية، «خليج سلمان» مهوى أنفس الباحثين عن المتعة البحرية، والراغبين في التنزه بعيدا عن ضوضاء المدينة وصخب الكورنيش ، والمفر من زحام الطرقات. الخليج الواقع على بعد عشرة كيلومترات من جدة صوب الشمال لاتزال طبيعته بكرا، لم تطلها يد بني البشر فمجالسة الموج المتراقص متاحة، ومعانقة مياه البحر بالأكف سهلة، ولا تحول بين الموج وأطراف المتنزهين حواجز .. في البدء ذكر سالم عيضة الذي كان يقضي إجازة نهاية الأسبوع برفقة عائلته أن ما يميز شاطئ خليج سلمان أن الرمال الناعمة تتعانق مع مياه البحر كما أن البحر المفتوح يفتح ذراعيه أمام المتنزهين بالتزامن مع اعتدال الطقس لاسيما أن النسيم والبحر وصفاء المياه لم تلوث بمصبات مياه الصرف الصحي وهذا ما يملأ فضاء المكان بالسحر والجمال. وأضاف إلى أن المساحات المفتوحة على طول البحر والتي يجد فيها سكان العروس فرصة كبيرة للتخييم و الاستمتاع بالبحر، إضافة لقضاء الوقت على البحر مهما كان طويلا والذي ربما يمتد لقضاء إجازة نهاية الأسبوع بأكملها على البحر دون ملل بل إن البقاء أطول يمنح فرصة أكبر لاكتشاف جمال الطبيعة البحرية وهو ما يدفع على اتخاذ القرار بأن يعيد المرء الكرة مرات ومرات. وفي زاوية أخرى يجتمع الصبية والأطفال يداعبون الأمواج المتراقصة ويجمعون الصدف الذي يجود به رحم البحر ليستقر على الرمال المتاخمة حيث ذكر الطفل فارس محمد أن المكان مختلف وفرصة رؤية الأشياء التي درسها في مادة العلوم عن البحار متاحة ويمكن ملامستها. وأشار إلى أن التنزه في المكان زرع في روحه الشوق الذي يبدأ بمجرد قرب مغادرة البحر ليبقى يراوده طيلة الأسبوع حتى العودة إلى ذات المكان كما أن قضاء يومين في جو بحري خالص له مردوده على النفس إذ يجدد روح الحياة في نفسه ونفوس أشقائه كما أن مشاركة والده في الصيد أمر في غاية المتعة في ظل استخدامه الرمح والمصباح اليدوي الأمر الذي يخلص إلى وجبة سمك مشوي طازجة بنسبة 100%. وتلتقط طرف الحديث شقيقته منال التي أوضحت أنها لأول مرة ترى في حياتها ما في قاع البحر على الطبيعة في وقت كانت لا تستمتع بمشاهدة مثل هذه المناظر إلا من خلال المنهج المدرسي حيث شكلت البيئة البكر لها صورة حقيقية لما تحتويه أوراق الكتب وفصول منهج العلوم. ويرى صالح يماني أن الموقع يمتاز بكامل مقومات الجمال الرباني عكس الساحل البحري داخل محافظة جدة ، حيث إن المكان مهيأ طبيعيا لاستقطاب السكان الباحثين عن الراحة النفسية بعيدا عن الضوضاء، وفي منأى عن تدخل بني البشر في المكان وهو ما أكسبه رونقا مزدانا بالسحر يحفز على التردد عليه وقضاء الجزء الأكبر من إجازة نهاية الأسبوع في حماه. ونوه إلى أن الموقع الجاذب في الآونة الأخيرة لسكان العروس تحول من مجرد نزهة عادية إلى عادة أسبوعية لا يمكن الاستغناء عنها، إذ إن الكثير من الأسر يحرصون على قضاء أيام عائلية لها مردودها النفسي الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال إلا أن يكون إيجابيا، لكنه في الوقت عينه يحتاج لتدخل بشري ولكن في أطر معينة لا ينبغي تجازوها، إذ لا يعاب عليه سوى انعدام الخدمات، فالخليج الواقع على بعد عشرة كيلومترات من جدة صوب الشمال، يفتقر لأسس التنزه. وأضاف «ننتظر من رجال الأعمال عمل المبادرات ونحتاج إلى خطة استراتيجية سياحية مستقبلية يتم التخطيط لها من قبل الأمانة وشركات التطوير السياحي والعمراني المحلية والعالمية وتعمل جميعها على التأسيس لسياحة بحرية تخفف عن الكورنيش الحالي الزحام وتبعث الحياة في تلك المناطق المهملة. من ناحيته وصف زياد الغامدي كورنيش جدة الحالي بأنه غير صالح للتنزه في وقت يمتزج فيه نسيم البحر بروائح الصرف الصحي وتعكر رونقه عودام السيارات إضافة لاختلاط ذرات الأكسجين بأدخنة «المعسلات» التي وصفها بالظاهرة خصوصا بعد قرار منع التدخين في المحال المغلقة فلم يجد المدخنون بدا من ممارسة هذه العادة على أرصفة الكورنيش متجاهلين كم الأذى الذي ينتج عنها ويطال رواد الكورنيش. وفسر الغامدي هرب الكثير من السكان إلى خليج سلمان بأن التنزه تحديدا في هذا المكان له مميزاته إذ يتسم برونق خاص، ويكتسب صفات لا يمكن أن تتوفر في أي مكان آخر من جدة، حيث يحرص في نهاية كل أسبوع على اصطحاب أسرته لقضاء بعض الوقت في جو من الهدوء والسكينة، بعيدا عن الإزعاج وأجواء التلوث، مؤكدا في الوقت نفسه أن بعض التصرفات خاصة التي يمارسها الشباب مثل علو أصوات المسجلات وما ينتج من أصوات مصدرها سياراتهم المعدلة لا تسمح بأي حال من الأحوال أن يشعر رواد الكورنيش بالاستمتاع بالبحر أو قضاء وقت يمكن أن يقال عنه أنه هادئ. واستطرد الغامدي قائلا: «يتحمل الكثيرون بعد المسافة وانعدام الخدمات بحثا عن الهدوء ورغبة في مسامرة الطبيعة الساحرة فيما يتحول البحر إلى لوحة فنية في الوقت الذي يبدأ الصيادون في النزول إلى البحر حاملين مصابيحهم وذلك ما يجعل البحر يتحول في المساء إلى مدينة بحرية تضيئها مصابيح الصيادين». ويشاركه الرأي ضيف الله المتعاني الذي يحرص على قضاء إجازة نهاية الأسبوع طيلة فترة اعتدال الطقس في الموقع حيث توفر الأسماك بكميات كبيرة يحقق له الاكتفاء الغذائي وهذا ما يوفر عليه عناء العودة للمدينة بحثا عن مطعم يؤمن منه قوت يوم. فيما أكد ناصر حربي على ضرورة الالتفات للكورنيش البديل والتأسيس للخدمات اللازمة التي يحتاجها مرتادوه، كما هو حال شاطئ نصف القمر في المنطقة الشرقية فيقول: «تنفق الأمانة مليارات الريالات على مشروعات تطوير الكورنيش الشمالي مغفلة خليج سلمان، وتتجاهل تقديم خدمات بسيطة للخليج البكر، فالموقع بحاجة ماسة لمشاريع خدمية مثل المساجد، الصيدليات، إضافة للبقالات ودورات المياه»، منتقدا غياب بعض الجهات الحكومية الرقابية عن الموقع مثل الدوريات الأمنية، إذ إنه لا وجود إلا لدوريات قليلة لخفر السواحل تجوب المنطقة بين فترة وأخرى. ووصف سعد الأحمري زيارته الأولى لخليج سلمان بأنها الأجمل ولم يخف ندمه على التأخر في زيارة المكان الذي سمع عنه كثيرا حيث حضر هذه المرة برفقة زملاء العمل الذين قرروا نصب خيمتهم ، وأضاف: إن الخلوة بالبحر لها رونقها الساحر في حالة لا يبعد فيها رواد الشاطئ عن البحر فالأمواج تداعب الرمال التي يفترشونها والطقس في هذه الأيام مؤاتٍ لأن تكون الرحلة فريدة والنزهة تحت ضوء القمر في الذهن راسخة. ولفت الأحمري إلى أهمية توفير حاويات للنفايات يتمكن زوار الموقع من رمي المخلفات فيها حيث إن انعدام مثل هذه الضرورة بدأت تدفع مرتادي الشاطىء على ترك المخلفات في المكان الذي كانوا يجلسون فيه ومع الوقت سيتحول الساحل إلى كوم نفايات وسينجرف بعضها إلى قاع البحر وذلك ما قد ينتج عنه تلوث بحري مصدره البشر وسببه إهمال المقومات الأساسية التي يحتاجها أي مكان يرتاده الناس. هذا وكانت أمانة جدة أعلنت في العام 2006 أنها تعكف على دراسة تطوير منطقة خليج سلمان عبر مشاريع ضخمة تزيد تكاليفها على المليار ريال تشمل حديقة مائية موصولة بخليج سلمان ومجمعات سكنية وطريق يربط المنطقة وحتى جامعة الملك عبدالله في ثول لتنمية المنطقة الساحلية وتكوين واجهة بحرية تجذب الاستثمارات إليها .. وأكد المصدر حينها أن أمانة جدة تملك في تلك المنطقة مساحة أرض تصل إلى مليون متر مربع ستقيم عليها اكوا بارك حديقة مائية والفكرة ربطها بخليج سلمان عبر قناة بحرية إضافة إلى مجموعة مشاريع ضخمة تزيد تكاليفها على المليار ريال .. مشيرا إلى أن الأمانة تعمل على موقع للحديقة المائية وربطها بطريق يصل إلى جامعة الملك عبدالله في الشمال بثول لتكون المنطقة كلها منطقة جذب إقليمية إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث.