مر عام كامل على توقيع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة في 23 نوفمبر في الرياض، وهي المبادرة النوعية التي أتت في موعدها لإنقاذ اليمنيين من الانزلاق إلى هاوية الحرب الأهلية والدمار في بلد يعج بالسلاح وبالمتناقضات السياسية والفكرية. وكانت عبارة عن خليط من حكمة اليمنيين وتنازلاتهم لبعضهم البعض في اللحظة الحقيقية، وخوف وقلق الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي ومصالح الأصدقاء في العالم، ومكمن قوتها في أنها لبت كثيرا من طموحات الأطراف السياسية ونزعتها نحو السلطة، حتى تلك التي يعتقد البعض أنها توارت. عملت المبادرة على خلق توازن وشراكة في العمل السياسي وتطلعاته المستقبلية، فبقدر ما يمثل إيقاف سفك الدماء مطلبا أخلاقيا ملحا في وقته، فإن رغبة الجميع في الاشتغال على صياغة دستور ينظم العلاقات الاجتماعية والسياسية بين الجميع كان من الضرورات التي ينتظر اليمنيون بفارغ الصبر الانتهاء منها؛ لما لذلك من أهمية في السير قدما نحو بناء الدولة اليمنية الحديثة القائمة على قيم العدل والحق والمواطنة المتساوية. إن ذكرى التوقيع على المبادرة الخليجية لا يمكن أن تكون مناسبة عادية، إنه يوم انتصار الحكمة اليمانية وتغلبها على نوازع الدمار والخراب، والاعتراف بالآخر وبالتغيير بطريقة سلمية حضارية رسخت كثيرا من قيم الحداثة المتمثلة بما يحدث في كثير من الديمقراطيات في بلد فقير منهك بالصراعات. وهي تشكل في الوعي والذاكرة اليمنية حالة عالية وفاصلة بين مرحلتين ولا يمكن التراجع عما تشكله هذه اللحظة من قيم التغيير والحوار والشراكة وإدارة البلاد بروح مختلفة تتعزز فيها روح المؤسسات بعيدا عن الفوضى التي لا تثمر إلا الخراب.