لم تكن وفاة الصبي صلاح الدين ذي الثمانية أعوام، ابن رجل الأعمال يوسف عبداللطيف جميل، أول أو آخر ضحية للأخطاء الطبية في مستشفى عرفان الخاص بجدة، فقد سبقه العديد من الضحايا. وإذا استمر الأمر هكذا دون عقاب، فسوف يلحقه عدد أكبر من الضحايا المنتظرين على القائمة. أدخل الصبي صلاح الدين إلى مستشفى عرفان ليؤخذ منه عينة صغيرة من غدة لمفاوية للفحص. عادة ما تؤخذ هذه العينة عن طريق إبرة صغيرة، ودون تخدير أو عملية. وقام طبيب مصري بإعطاء الصبي خطأ جرعة كبيرة من مادة «نايتروس أوكسايد» بالاستنشاق، ظنا منه أنه يعطيه غاز الأوكسجين، بالإضافة إلى بعض المهدئات الأخرى. أدى هذا إلى انقطاع الأوكسجين عن مخ الصبي وإلى توقف مفاجئ لقلبه، ونتج عنه وفاة «دماغية» مباشرة خلال دقائق فقط. أجرى للطفل عملية إنعاش للقلب فعاد القلب إلى الخفقان مع وفاة المخ وجذع الدماغ كلية، وبقي صلاح الدين لبضع ساعات في غرفة الإنعاش أسلم بعدها روحه البريئة إلى بارئها. خلال هذه الأحداث وبعدها، حاول الطبيب التهرب من مقابلة أهل الطفل، بينما قام مكتب التفتيش العلاجي بمديرية الشؤون الصحية بجدة، برئاسة الدكتور طارق بنجر، بإرسال لجنة تحقيق بعد منتصف الليل من يوم حدوث المأساة، لتكتشف اللجنة أنه تم إخفاء الأوراق الثبوتية التي تدل على حدوث هذا الخطأ الطبي القاتل. إزاء ذلك أصدرت لجنة التحقيق التابعة لمكتب التفتيش العلاجي أمرا بمنع سفر الطبيب، وأبلغت ذلك الأمر رسميا إلى إدارة المستشفى، كما تم التحفظ على الملف الطبي الخاص بالطفل. المذهل في الموضوع هو أنه رغم اعتراف المستشفى ومالكه (طبيب سعودي) بخطأ الطبيب المصري الذي تسبب في وفاة الصبي، وبالرغم من الأمر الصادر بمنع الطبيب من السفر وتبليغ الأمر إلى إدارة المستشفى رسميا، إلا أن المستشفى استطاع بطريقة ملتوية تهريب ذلك الطبيب المهمل إلى بلده خلال بضع ساعات فقط! كيف استطاعت إدارة المستشفى مخالفة ذلك الأمر ولماذا، سؤال يحتاج إلى تحقيق ومساءلة، اللهم إلا إذا ظن ذلك المستشفى أنه صاحب سلطة داخل الدولة. أما أغرب ما سمعت فهو تفسير المستشفى لما حدث. فقد حمل مستشفى عرفان مسؤولية وفاة الطفل على شركة الصيانة، مدعيا أن الشركة قامت بالخلط بين مخرج غاز الأوكسجين ومخرج غاز النيتروجين بعد قيامها بعملية الصيانة، مما تسبب في وفاة الصبي! كما صرح المستشفى أن الطبيب المتهم قد هرب من المملكة بالتواطؤ مع اثنين من الموظفين!!. هل سمعتم بمهزلة أكثر من هذه؟ هل تحولت أرواح البشر إلى كرة يتقاذفها طبيب جاهل، وإدارة سوقية، وشركة صيانة للسباكة؟ كيف يهرب الأطباء القتلة بأخطائهم ويفلتون من العقاب والمساءلة؟ أين ذهبت مبادئ الطب الإنسانية التي أقسم عليها؟ هل تحولت مهنة الطب في بلادنا إلى تجارة رابحة مثل تجارة العقار والخضار؟ هل تحولت بعض مستشفيات بلادنا إلى أماكن للموت السريع، ودكاكين للمتاجرة بأرواح وحياة البشر، وعلى حسابهم؟ ألا تستطيع وزارة الصحة مطالبة الدول الأخرى (عربية أو غيرها) بإعادة الطبيب الهارب إلى المملكة لمحاكمته واستيفاء الحق المعنوي والإنساني لأهل المتضرر ويحظر توظيف أي طبيب من تلك الدولة في مستشفيات المملكة؟ وللتذكرة، فقد سبق أن تم تهريب جراح مصري كان يعمل في مستشفى خاص آخر في جدة، بعد أن تسبب في وفاة خمسة عشر مريضا وصدر عليه أمر قضائي من محكمة شرعية، ومطلوب عن طريق الشرطة. سنظل عرضة لأخطاء الأطباء القاتلة في بعض مستشفياتنا، وكأننا قد تحولنا إلى فئران تجارب لأشباه أطباء جهلة حديثي التخرج، لا يحملون سوى درجة البكالوريوس من بعض دول العالم الثالث ليتدربوا على حساب صحتنا وحياة أبنائنا، طالما أنه لا يوجد هناك عقوبات رادعة توقفهم. الجميع يطالب وزارة الصحة، المسؤولة عن صحة وسلامة السكان، باستصدار قرار بقفل أي مستشفى خاص تتكرر أخطاؤه المميتة أو الخطيرة على حياة الإنسان لأكثر من ثلاث مرات، مع فرض غرامة مالية كبيرة وعقوبة السجن للمسؤولين عن ذلك، وسحب رخصهم إلى الأبد.. وللتذكرة أيضا، فهذه المأساة حدثت في نفس المستشفى التي تسببت في مقتل الدكتور السعودي المعروف طارق الجهني يرحمه الله، الذي كان يعمل رئيسا لقسم الأسنان في المستشفى التخصصي في جدة. وقد توقع الكثير من المواطنين أن يتم قفل هذا المستشفى ووقفه عن العمل نهائيا.. ولكن. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 129 مسافة ثم الرسالة