مرة أخرى، وبعد أربع سنوات على حرب «الرصاص المصبوب» التي شنتها إسرائيل على غزة عام 2008 وبداية عام 2009، تعود إسرائيل لشن حرب جديدة تحت مسمى «عامود السحاب» والادعاء دائما وقف الصواريخ الفلسطينية من غزة على الدولة العبرية. وتأتي الحرب الثانية في ظل الانقسام الفلسطيني. والسؤال المطروح: ما هو المطلوب فلسطينيا لوقف العدوان الإسرائيلي الجديد؟. إسرائيل مرة أخرى تحاول أن تقلب الطاولة من خلال جولة عنف دموية جديدة، بدأتها منذ لحظة اغتيال الجعبري، وبالتالي فإن اغتياله من قبل إسرائيل كأول خطوة في هذه الهجمة الدموية له دلالات كثيرة تتعلق بكيمياء العلاقات داخل حماس وداخل الحالة الفلسطينية كلها. هذه إذا موجة عنف دموية، خطط لها الحاكمون في إسرائيل بفعل بارد، واختاروا لها التوقيت الملائم، فنحن ماضون في صعودنا إلى تصويت الجمعية العامة، وإسرائيل نفسها تقترب خلال أسابيع قليلة من المعركة الانتخابية، انتخابات مبكرة وحساباتها هذه المرة أكبر تعقيدا، والأبطال الذين يتنافسون، وخاصة نتنياهو وليبرمان وموفاز وباراك، تكفي زلة قدم لأي واحد منهم ليخرج من السباق، بل ليخرج من الحياة السياسية في إسرائيل، وهؤلاء جميعا سواء كانوا مع بعضهم في التحالف الثنائي بين نتنياهو وليبرمان، أو في التحالف الأوسع وهو التحالف الحالي، هم الأشد تنافسا إلى حد العداوة، ولذلك اختاروا لهذه المعركة الانتخابية الحامية في بداية العام القادم، توجيه العنف ضد الطرف الفلسطيني. بالنسبة لهم، العدوان على الشعب الفلسطيني مريح دائما، خاصة وأن الرسائل من وراء هذا العدوان عديدة، تأخذ في الحسبان تعقيدات الوضع في سيناء، وتعقيدات الوضع في سوريا، وتركيبة قطاع غزة الحالية، واحتمال فوز أبو مازن في الأممالمتحدة والذي سيغير قواعد اللعبة التي صاغها الإسرائيليون، والتي كان من شأنها موت المفاوضات لأنها تصبح في ظل المعايير السابقة مفاوضات بلا جدوى. ووسط صعود التحدي الفلسطيني إلى ذروته بالذهاب إلى الأممالمتحدة، وبالمقابل تدني الأداء الفلسطيني على صعيد التخلص من الانقسام وإنجاز المصالحة، يأتي هذا العدوان الجديد لكي يكتشف كل الفرقاء الفلسطينيين أنفسهم أن إدارة الحياة اليومية المشتركة بينهم هي في أسوأ حالاتها، وعندما وقع العدوان هكذا بدون مقدمات، دون الأعذار والمبررات التقليدية، اكتشف الأطراف جميعا أنهم ليسوا محصنين بالحد الأدنى تجاه هذا العدوان، ونحن بحاجة ماسة إلى تشكيل موقف فلسطيني جديد، موقف ينطلق من قراءة صحيحة لما يدور حولنا، موقف يحافظ بقدر الإمكان على سلامة الناس واستمرار الحشد الدولي حول البرنامج الوطني ومفاهيمه الراهنة والنجاح في التصويت داخل الجمعية العامة لعضويتنا. إن الموجة الدموية الإسرائيلية قد تطول إلى موعد التصويت في الجمعية العامة، وربما إلى موعد الانتخابات، فكيف سنواجه معا تداعيات هذا التصعيد الإسرائيلي ضد قطاع غزة ؟ والإجابة هنا واضحة ومحددة، يجب أن يسود التوافق الوطني عمليا حتى نستطيع أن نصمد في وجه هذا العدوان.