مرة أخرى تبدأ إسرائيل حملة تصعيد جديدة على غزة، بعد أن وضعت قيادتها سيناريو الحرب الذي يبدأ باغتيال القيادات، وضرب المقرات الأمنية والمؤسسات المدنية، وهو ما أقدمت عليه باغتيال الجعبري، ومن جديد تندلع المواجهات بين جيش الاحتلال و المقاومة. إلي أين يتجه التصعيد في غزة ؟ إسرائيل معنية بنار هادئة على جبهة الجنوب، ونتنياهو على ما يبدو غير معني باجتياح بري لغزة قد لا تكون نتائجه ملائمة له خلال الانتخابات العامة المقبلة التي ستجري في يناير المقبل، خاصة إذا استخدمت حركتا «حماس» و «الجهاد الإسلامي» الصواريخ المتطورة التي لديها، حيث تقول الجهات الأمنية الإسرائيلية: إنهما تملكان صواريخ «فجر» التي يصل مداها إلى 70 كيلومترا يمكنها أن تصل إلى كل المناطق في وسط وجنوب إسرائيل. فمثل هذا السيناريو ربما يمس بمكانة وسمعة نتنياهو. والأفضل بالنسبة له أن يكون هناك بعض التصعيد ونار يمكن السيطرة عليها، وفي إطارها تدعي إسرائيل أنها فرضت وقفا لإطلاق النار على فصائل المقاومة في غزة. ومن المستبعد أن تلجأ الحكومة الإسرائيلية إلى تطبيق ما قيل إنه سيناريو ما قبل العملية البرية الذي تحدثت به المصادر الإسرائيلية والذي يتضمن قصف منازل وبنية تحتية، واغتيالات، لأن مثل هذه الخطوات ستقود حتما إلى رد فعل قوي من جانب الفصائل في غزة. وهذا بدوره سيؤدي إلى تصعيد كبير ينتهي بحرب واسعة وشاملة. الحرب والتهدئة لعبة مستحبة من قبل الحكومة في إسرائيل، تشارك فيها حركة «حماس» باقتدار، ففي إسرائيل يريدون تركيز أنظار الجمهور على الأخطار الخارجية الآتية من خلف الحدود، وهذه تتطلب عدم التركيز على أولويات أخرى تهم الناس، وتخفق الحكومة في تلبيتها مثل القضايا الاقتصادية الاجتماعية، وحتى الحاجة إلى تسوية سياسية. وكل ما هو مطلوب هو الانتقام والرد بالقوة ضد الأعداء، وهذه المهمة لا يلبيها سوى القادة اليمينيون وعلى رأسهم نتنياهو. أما «حماس» فهي تريد بين فترة وأخرى تذكير الناس بأنها فصيل مقاومة . والآن تدخل أطراف إسرائيلية أخرى على خط هذه اللعبة لاعتبارات انتخابية وبعضها يصب الزيت على النار ولسان حالها يريد توريط نتنياهو في حرب، أو الظهور في موقع الأكثر حرصا على سلامة الجمهور. وهذا الوضع سيتفاقم على ما يبدو بعد ذهاب القيادة الفلسطينية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لطلب الاعتراف بفلسطين دولة غير عضو. فإسرائيل والولايات المتحدة تهددان بفرض عقوبات على السلطة، من شأنها أن تزيد من صعوبة الأوضاع الاقتصادية في مناطق السلطة. والوضع القائم السيئ الحالي والقادم الأسوأ سيجعل من احتمال انهيار السلطة وتدهور الأمن أمرا محتملا ومتوقعا. والحديث عن انتفاضة وفوضى يبدو واقعيا. وعليه لا يبدو أي حل مؤقت جيد لأمن إسرائيل ويضمن لها الاستقرار والقدرة على العيش في هذه المنطقة بصورة طبيعية. ففكرة الحرب تمنح إسرائيل وقتا للهروب من الاستحقاقات السياسية. ولكنها تفاقم المخاطر التي تحيط بإسرائيل .