في وقت يتطلع فيه الشرق الأوسط نحو فجر جديد، لا بد أن نذكر أنفسنا بحقبة منصرمة، عندما اجتمع الإلهام والابتكار والمشاريع لجعل هذه المنطقة مركز العالم. لقد شكلت المنطقة العربية على مر التاريخ مهد الحضارات المزدهرة التي تمثل قمة الإنجاز البشري. وإذا وضعنا التاريخ جانبا، فإن العلاقة بين المبتكرين والمستثمرين هي علاقة تكافلية. وهناك حد يمكن عنده لرواد الأعمال والمستثمرين الاحتفاظ بالثروات في سيناريو تكون فيه معظم المعطيات ثابتة. وهناك حاجة لابتكارات مذهلة من النوع الذي يهز النظام، وبالتالي يخلق فئات جديدة من المنتجات والخدمات وأسواقا جديدة وشبكات قيمة؛ لمساعدة المستثمرين على تخطي مثل هذه الحدود. وفي هذه العملية، قد يصبح المبتكرون الذي يحصلون على الدعم رجال أعمال ناجحين. وقد آن الأوان للاستثمار في هذا الميدان، حيث قامت مختلف البلدان في منطقة الشرق الأوسط بتشكيل مجمعات اقتصادية، مثل: مدينة الملك عبدالله الاقتصادية في المملكة العربية السعودية، مدينة دبي للإنترنت في دولة الإمارات العربية المتحدة، والقرية الذكية في مصر. وتساهم جميع هذه المشاريع التي ترعاها الحكومات في تعزيز الابتكار من خلال السعي للجمع بين الموهبة والاستثمار في إطار نظام داعم. وبينما تعتبر مثل هذه المبادرات مفيدة للغاية، لا بد من القيام بالكثير لتعزيز العلاقة بين الابتكار والاستثمار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويتضح ذلك من مؤشر التنافسية العالمية 2012 2013 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، والذي يظهر قائمة عالمية للدول الحائزة على مراكز وفقا لاثني عشر عاملا من عوامل القدرة التنافسية، ويعد عامل «الابتكار والتطوير» واحدا منها. وتظهر المراتب وفق هذا العامل، وبشكل مخيب للآمال إلى حد ما، أن قائمة الدول الثلاثين الأولى تضم ثلاث دول فقط من أصل ما مجموعه 22 دولة عربية، وهي: قطر (في المرتبة 15)، دولة الإمارات العربية المتحدة (في المرتبة 25)، والمملكة العربية السعودية (في المرتبة 29). وهناك عدة أسباب لمعاناة منطقتنا من ثغرات في النظام الإيكولوجي الذي يتطلب دفع العملية التفاعلية بين المبتكرين والمستثمرين. ويتمثل أحد الأسباب بالافتقار إلى وجود هيئة عربية عامة واضحة تشرف على إعداد البيانات الكمية والنوعية للمنطقة. وتعتبر مثل هذه الظروف من انخفاض مستوى الرؤية غير مواتية بشكل خاص للمستثمرين المحتملين في المناخ المالي الحالي. ولا يجد المستثمر فرصا كافية للاستفادة من الابتكار في العالم العربي، إما لضعف إيمانه بمستوى المواهب الابتكارية المحلية، أو عدم توفر بيانات كافية تسمح له باتخاذ قرار سليم بالاستثمار، ما يعني هدرا كبيرا للفرص في الواقع. كما سيخسر المبتكرون العرب كذلك، حيث بالكاد سيتم تحفيزهم عندما يتجنب المستثمرون العرب تقديم الالتزام اللازم لتنمية أفكارهم. وبدلا من ذلك، يمكنهم توظيف مواهبهم بشكل جيد للغاية في مكان آخر، حيث تكون الجهات الاستثمارية والاستشارية أكثر استعدادا للمساعدة. ولكي نرفع من مستوى مبدعينا الشباب، فقد تم بذل جهود عديدة لإطلاق برامج الاحتضان التي تهدف إلى تحفيز الشركات الناشئة. وقد ظهرت هذه البرامج في دول، مثل: دولة الإمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية، الأردن، ومصر. ولكن عددا قليلا إن وجد نجح حتى الآن في خلق نظام شامل يمثل المبدعين والمرشدين والمستثمرين في جميع أنحاء العالم العربي. وفي نهاية المطاف، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: «ما هو السبب: اختلال أم اضطراب»، ويتمثل أفضل رد على هذا التحدي باتخاذ إجراءات تربط نظرية الابتكار والممارسة مع استراتيجيات الاستثمار الحذر والجريء، والتي ستزدهر في المستقبل المضطرب الذي يواجهنا. ومن شأن هذا الإجراء فقط، والمكون من تحالف ثلاثي الفروع بين المستثمر والابتكار والسوق، الاستفادة من المواهب المبتكرة وتنشيطها لترتقي إلى مستوى جديد. وهذا ما نحتاجه اليوم إلى حد كبير، في وقت ينتظر فيه الجيل الجديد من الشباب العرب الحصول على قدر أكبر من الفخر والرخاء والازدهار. (*) مؤسس ورئيس معهد التخيل والبراعةi2.