يبدو لي أن فوز أوباما سوف يساعد أمريكا في إكمال مسار الإصلاحات الداخلية لصالح الطبقة الوسطى، لتكون لحمة الدولة أكثر تماسكا ومساندة لسعيها الحثيث لفرض مصالحها، فمع أوباما، أمريكا لا تتحدى العالم ولكنها تريده قوة منظمة مساندة لهيمنتها، فأوباما يتحرك من أجل السلام النافع لوطنه ولا يمانع من استخدام القوة الصلبة لقهر الخصوم، ويؤثر على العالم بالقوة الناعمة المسنودة بقوة صلبة جبارة لن تتوانى عن التعبير عن نفسها في اللحظات الحاسمة. النفوذ الجيواستراتيجي الأمريكي يزحف عالميا عبر الاقتصاد والتكنولوجيا والثقافة والعلاقات الدبلوماسية، ويحاصر منافسيه في المناطق التي لها تأثير فاعل على الاقتصاد العالمي وأمن العالم دون أن يواجه القوى المنافسة، وهذه المناطق كفيلة بإحداث تغيير في تركيبة القوة الدولية حتى وإن كان وزنها أمام المتنافسين ضعيفا. منطقة الشرق الأوسط من أبرز المناطق المضطربة، والتي تبحث عن فرص تمكنها من الاستجابة لمتطلبات الشعوب وحاجاتهم وبناء نفوذ مؤثر يحمي مصالحها الداخلية والخارجية دون صدامات مؤثرة مضرة بالتحولات التنموية التي تم بناؤها خلال العقود السابقة. سيحاول أوباما تثبيت جذور المصالح الأمريكية في المنطقة عبر مواجهة أعدائها ومحاصرتهم وتفكيك العوائق التي تشوه صورة أمريكا في المنطقة. لن يحقق أوباما أي نجاح ما لم يبن تحالفات واضحة أهدافها مع دول المنطقة. من ناحية أخرى، تشكل إيران المركز الأكثر إثارة للاضطرابات والتحدي الأبرز لواشنطن وللمنطقة، وقد يتحول أوباما وحلفاؤه في المنطقة في حالة لم يتمكن الملالي من فهم طبيعة المعركة إلى اتخاذ سياسات للمواجهة معها. ومن المؤكد أن الأزمة السورية وترتيب وضعها الداخلي والخارجي هي البوابة الأولى التي ستفتح لأمريكا الأفق لتعديل مسارات الصراع وفق منظورات جديدة ربما تغير وجه المنطقة.