قاطرة موت وتعذيب الأطفال ما زالت منطلقة بسرعتها القصوى، ومعظمنا يتذكر مآسي أولئك الأطفال الذين سلطت الصحافة الضوء على رحيلهم، وتذكرون: رهف وريماس وغصون وتالا، وآخر من دهس بالمعاملة السيئة الطفلة القتيلة لمى. هؤلاء رحلوا أو رحلن بينما الآلاف من الأطفال يعيشون حياة قاسية تتنوع وتتشكل فيها صنوف التعذيب وفق حالة كل فرد منهم أو منهن ويحملون عذاباتهم على أجسادهم أو في نفوسهم.. إن انقلابا اجتماعيا حدث أسس للكره بدلا من الحب، وحضرنا هذا الانقلاب وأخذ كل منا نصيبه وزرعه في صدره فأثمر، وكل منا يتذوق ثمرته بالطريقة المشتهاة لديه. حين كرهنا أنفسنا كرهنا الحياة وما عليها بما فيها فلاذات أكبادنا، ومن نجا من كارثة حمل نتائج انقلاب المجتمع ظل مشاهدا لكل تلك التشوهات، ولم نتعاون في حماية المظلومين من الظالمين، ومواقع تعذيب الأطفال تنوعت وغدت كل المواقع قابلة لأن تكون مسارح لهذا التعذيب والتعنيف (سواء الجسدي أو النفسي)، ومسارح التعذيب تقام في البيت والشارع والمدرسة والمؤسسة الحاضنة لبعض الحالات. فكيف سيكون المستقبل لمثل هذه الحالات، كيف ستكون حالة هذه الثمرة مستقبلا وهي تعيش حاضرا لا يوفر لها الأمان أو الحب أو التواصل الاجتماعي السليم أو لا يوفر احتياجات طفولتها البسيطة.. كيف ستكون حالة هؤلاء الأطفال؟ وأنا هنا لا أتحدث عمن انتهت حياتهم، فالموت أنهى حياة ماسأوية، وبالرغم من بشاعة تلك النهايات إلا انها غدت ماضيا يستوجب معالجة حالات من بقي داخل مجتمع يمارس كل أنواع التعذيب على ضحاياه بدم بارد. ولأن الطفولة هي المخزن الرئيس الذي يزود الفرد بأحكامه على المجتمع تصبح هذه العينات المعذبة هي محل اهتمامنا كمجتمع، كون هذه النوعية تمثل خطرا على المجتمع من خلال نقل جينات التعذيب على نفسها وإلى الأجيال القادمة. فماذا فعلنا حيال كل هذا الكم من التعذيب الممارس؟ وهي حالات تعذيب غير خافية، فقد أكدت دراسة أجراها مركز مكافحة أبحاث الجريمة في وزارة الداخلية تفشي ظاهرة إيذاء الأطفال في المجتمع السعودي بشكل عام، حيث اتضح أن 45 % من الحالات يتعرضون لصورة من صور الإيذاء في حياتهم اليومية، حيث يحدث الإيذاء بصورة دائمة ل21 % من الحالات، في حين يحدث ل24 % أحيانا.. ويمثل الإيذاء النفسي أكثر أنواع الإيذاء تفشيا بنسبة 33.6 % يليه الإيذاء البدني بنسبة 25.3 %، وغالبا ما يكون مصحوبا بإيذاء نفسي، يليه الإهمال بنسبة 23.9 %، واحتل الحرمان من المكافأة المادية أو المعنوية المرتبة الأولى من أنواع الإيذاء النفسي بنسبة 36 %، تليها نسبة الأطفال الذين يتعرضون للتهديد بالضرب 32 %، ثم السب بألفاظ قبيحة والتهكم بنسبة 21 %، ثم ترك الطفل في المنزل وحيدا مع من يخاف منه. ونلحظ أن الدراسة حملت نسبا مرتفعة لحالات الإيذاء، بحيث لم تهبط إلى ما دون العشرين في المائة، وإن كنت أرى أن هذه النسب متدنية مع ما يموج داخل المجتمع من أنواع التعنيف والتعذيب، فمع أطفالنا نسير بشعور أنهم ملكيتنا الخاصة نتصرف بهم كيف نشاء، ولنا الحق الكامل في التعامل معهم بالطريقة التي نراها مناسبة، سواء كانت وحشية أو غير مبالية بوجودهم (الإهمال التام)، مما يعرضهم إلى تعذيب من قبل الغير، وبهذا ننتج شخصيات عدائية لا تثق بذواتها مضطربة ترى في الآخر وسيلة للانتقام، أو تتخذ من نفسها وسيلة للانتقام من خلال الانتحار أو الانسحاب النفسي الداخلي ومقابلة الواقع بعدائية مفرطة.. وبهذا يكون أطفالنا في حالة عدم اتزان حقيقي. ها نحن نحمل إحصائيات وواقعا مفجعا لأطفالنا، ومع ذلك لا نجد حزما صارما حيال كل ما يحدث ..فهل نريد مستقبلا مهتزا ومريضا عدائيا مفككا؟ أم ترانا نريد أن يموت كل طفل يعذب حتى نشبع لطما من غير أن ننزع فتيل الكره المستشري لكل شيء حتى ذواتنا؟. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 159 مسافة ثم الرسالة [email protected]