لاشك أن المعلومات الواردة في تقرير صندوق النقد الدولي تنطلق من دراسات ومعلومات جادة، حيث تم استخلاص النتائج التحذيرية من واقع قراءات في الأرقام المنشورة والإحصاءات لاستنباط وتوقع الحال الاقتصادي في المستقبل القريب، في ظل فرضيات معينة، واستنادا إلى النظريات الاقتصادية وقواعد التنبؤ الإحصائي وخبرة دول أخرى في ظروف تاريخية مشابهة. وبالرغم من أن هذه التوقعات يغلب عليها طابع التشاؤم بسبب انعدام العناصر التي تدعو إلى التفاؤل بمستقبل الاقتصاد العالمي، وحالة الأسواق وخاصة سوق النفط والطاقة؛ إلا أن معظم أن لم يكن كل التحذيرات التي أطلقها صندوق النقد الدولي سبق وأن أطلقها عدد من خبراء الاقتصاد في المملكة، في مقدمتهم الكاتب الاقتصادي غسان بادكوك عبر مقال نشر في «عكاظ»، في 3/11/1433ه، تلاه الدكتور محمد سالم الصبان في مقال في صحيفة الاقتصادية وإعادة الاقتراح بإنشاء صندوق سيادي يدرأ بعض مخاطر المستقبل، ويحقق عوائد استثمارية أفضل، وكذلك اقترح الدكتور عبد العزيز الدخيل مجموعة من التوصيات التي تقلل من تأثيرات الأزمات الاقتصادية العالمية على الاقتصاد المحلي، وتضمن نموه بصورة صحية. وغيرهم كثير من الاقتصاديين السعوديين ممن يدركون تماما الوضع القائم، ومصير الاقتصاد في ظل افتراضات خاصة بالسياسات المتبعة، سواء لحل مشاكل الأجل القصير والطويل، ومدى استفادة هذا الجيل أو مايليه من القرارات الاقتصادية الحالية. وبصفة عامة، لا يمكن إنكار الإنفاق الحكومي الكبير سواء على القطاعات الإنتاجية والبنية الأساسية، أو على المدفوعات الاجتماعية؛ إلا أن مصدر قوة هذا الإنفاق هو ضخامة إيرادات النفط الحالية. ولكن يتفق الجميع بأنه مهما كانت الإيرادات الحالية كبيرة، فإن نضوب النفط ولو بعد مائة عام يستوجب تنويع القاعدة الاقتصادية والتأكد الفعلي من استغلال الإيرادات الحالية لتنمية الاقتصاد، وتأسيس القدرة على مواجهة احتمالات انخفاض عائدات النفط، وبالتالي عدم وجود إيرادات كافية للإنفاق على عدد متزايد من السكان. وفي نفس الوقت تتزايد حاجة المجتمع إلى الاستفادة القصوى من الإيرادات الحالية من النفط بهدف زيادة الإنتاج والاستثمار في القطاعات غير النفطية كالخدمات المالية والصناعة التحويلية والبتروكيماويات والمعادن وصناعات التعدين والعناية الصحية والمنتجات الصيدلانية والسياحة بما يحقق التنوع الاقتصادي، ويخلق فرص عمل جديدة من خلال زيادة نسبة القيمة المضافة التي تولدها هذه القطاعات الاقتصادية مقارنة بنسبة مساهمة قطاع النفط والغاز في الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة مساهمة الإيرادات العامة من غير الإيرادات في الإنفاق الحكومي الجاري في الميزانية العامة للدولة، و زيادة الصادرات غير النفطية ضمن صادرات المملكة. إن المتطلع لمستقبل أفضل وثقة أكبر في الاقتصاد سيبحث أولا عن ما تم لتحقيق التنويع الاقتصادي لإعادة الاقتصاد إلى مساره السليم، ثم دفعه للأمام دون الخضوع لإيرادات من مصادر محدودة وخاضعة للعديد من التهديدات الاقتصادية. وقد سبق أن نجحت المملكة في الإدارة الواقعية لأزمة الاقتصاد خلال فترة النصف الثاني من الثمانينات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، عندما تعايشت الدولة مع أسعار النفط المنخفضة، وتوقف التوظيف، وتوقف نمو الموازنة العامة، وتم فرض استمرار العمل بموازنة العام السابق، وعرف المواطن معنى ترشيد الاستهلاك، ثم اضطرار الدولة للاقتراض، وقبول تراكم الدين العام لسد الاحتياجيات الضرورية. ولهذا كان يجب أن نتعلم من هذه التجربة بأنه لايجب أن نتراخى عن القيام بالإصلاحات الاقتصادية لكل القطاعات.