توصلت دراسة اقتصادية حديثة بعنوان «حول اضطراب سوق النفط وتداعياتها على الاقتصاد الوطني» إلى ثلاثة سيناريوهات بديلة لتحركات أسعار النفط خلال العام الحالي، وذلك في ضوء تحليل بيئة الاقتصاد العالمي وتوقعات مسارات الطلب الاقتصادي في الدول الكبرى. وتوقعت الدراسة التي أعدها مركز الدراسات والبحوث في غرفة تجارة الرياض، وتم من خلالها التركيز على رصد احتمالات النجاح في تقديرات موازنة 2009 تحسن أسعار النفط، لتعمل عند متوسط 50 دولاراً للبرميل (السيناريو المتفائل)، أو أن تستقر عند مستوى 26 دولاراً (السيناريو المعتدل)، أو تستفحل أزمة الركود الاقتصادي، بما يؤدي إلى انحدار أسعار النفط إلى مستوى 17 دولاراً، وهو السيناريو الأكثر تشاؤماً. وخلصت الدراسة (حصلت «الحياة» على نسخة منها) إلى أن نجاح الموازنة التقديرية للمملكة للعام الحالي يعتمد بشكل أساسي على قدرة الاقتصادات الكبرى على الخروج من حال الركود، ما ينعش الطلب على النفط، ويحرك الأسعار إلى مستويات مقبولة الى ما فوق 50 دولاراًً، بالشكل الذي يتوقع معه تحقيق فائض، وليس عجزاً في الموازنة. وقالت إن بقاء أسعار النفط ما بين 30 و40 دولاراًً كفيل بتحقيق مستوى العجز المتوقع عند مستوى 65 بليون ريال، غير أنها أضافت أنه في أسوأ الظروف، فان هذا العجز يمكن أن يتفاقم ليصبح في حدود 130 بليون ريال، في ظل تحقيق أسعار النفط تراجعاً جديداً في حدود 17 دولاراً، إلا أنها وصفت هذا السيناريو بأنه الأقل حدوثاً. وأوضحت الدراسة أن تتبع العلاقة بين حجم الفائض والعجز في الموازنة الحكومية وأسعار النفط، يبين أن سعر النفط الآمن أو العادل الذي يضع الموازنة عند حد الاستقرار، لا بد من أن يكون فوق مستوى 26 دولاراً، مؤكدة أن هذا السعر لا يحقق توسعاً، ولكنه قادر على إبقاء الأوضاع معتدلة من دون إلحاق ضرر بالاقتصاد الوطني، مبينة في الوقت ذاته أن أي تراجع عن هذا السعر، سيضع عوائق عدة ضد استقرار الوضع المقبول للإيرادات والمصروفات. ولفتت الى انه على رغم الزيادة السنوية لمشاركة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي من مستوى 255.2 بليون ريال عام 1999 إلى حوالى 436.1 بليون ريال في 2008، إلا أن هذه المشاركة لم تصل إلى المستوى الذي يؤمن الاقتصاد الوطني ضد مخاوف سقوط أسعار النفط أو مخاوف نضوبه، إذ أشارت في هذا الجانب الى أنه لكي يحصل الاقتصاد الوطني على هذه النسبة من مشاركة القطاع الخاص، فانه لا بد من أن يقدم لهذا القطاع إنفاقاً حكومياًً مرتفعاًً، مؤكدة انه على رغم ضخامة حجم الإيرادات النفطية للمملكة خلال السنوات الماضية، إلا أنها لم تتمكن حتى الآن من إحداث التنوع الاقتصادي على النحو المطلوب، الذي يمكن معه القول انها خرجت من شرنقة المصدر الوحيد للإيرادات وهو الإيراد النفطي. وقالت ان بقاء الأوضاع على ما هي عليه بالنسبة لمعدل التنويع الاقتصادي للمملكة يعرض الاقتصاد الوطني فعلياً لنوعين من المخاطر في المستقبل هما مخاطر اضطراب الأسعار، والتي ترتبط بعوامل اقتصادية وأحياناً غير ذلك، إضافة إلى النوع الثاني من المخاطر التي تفوقها في الأهمية على المدى البعيد، وهى مخاطر نضوب الموارد النفطية. مشيرة في هذا الجانب إلى أن ذلك يؤكد أن قضية التنويع الاقتصادي أصبحت أمراًً مصيرياً للاقتصاد الوطني، وأن الإنفاق الحكومي ينبغي أن يستهدف تنمية وتعزيز مشاركة القطاع الخاص، لمواجهة حدوث هذا النضوب. وفي ظل تناولها لمعالجة هذه التقلبات، أوصت الدراسة بضرورة العمل على كل ما من شأنه، خلق قدرة صناعية تحويلية للاقتصاد الوطني، خصوصاً في ضوء تدني مشاركة القطاع الصناعي التحويلي في الناتج المحلي الإجمالي حتى الآن، إذ اقترحت في هذا الخصوص إعطاء المزيد من الاهتمام خلال الفترة المقبلة للقطاع الصناعي، مشيرة إلى أن هذا يتطلب استقلال القطاع الصناعي عن التجاري، كما اقترحت أيضاً التركيز على المدن الاقتصادية الجديدة، لتكون الانطلاقة الحقيقية لخلق قطاع صناعي تحويلي وحقيقي في المملكة. كما اقترحت أيضاً ضرورة اهتمام الهيئة العامة للاستثمار بجذب الاستثمار الأجنبي المتخصص في الصناعات التحويلية، كما أوصت الدراسة بالاهتمام بقطاع الغاز، إذ اعتبرته حجر الزاوية للاقتصاد الوطني مستقبلاً.