البطالة هي إحدى الظواهر التي تتفشى في الكثير من دول العالم، إنها نتيجة طبيعية تحتمها بعض الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية في كثير من الأوقات، لقد ازدادت معدلات البطالة مع الثورة الصناعية والاعتماد على الروبوت «الإنسان الآلي» في الصناعة، كما أنها انتشرت أكثر بعد ثورة الانترنت واعتماد الكثير من الشركات على نظم المعلومات الالكترونية في تقديم خدماتها وكذلك التوسع في استخدام تطبيقات التجارة الالكترونية. وقد ظهرت عدة دراسات لتحليل ظاهرة البطالة انقسمت نتائجها ما بين كونها ظاهرة طبيعية ناتجة عن التطور التكنولوجي، وبين كونها أثرا سلبيا ناتجا عن سوء تخطيط مركزي واستراتيجي من إدارة الدولة نفسها. وبغض النظر عن نتائج تلك الدراسات، لقد أصبح أحد أهم مؤشرات نجاح أي دولة هو تقليل معدلات البطالة، والمدى الذي تستطيع من خلاله استغلال إمكانات مواردها البشرية ودمجها في عملية تطوير المجتمع برمته. من المؤكد أن العوامل المسببة للبطالة كثيرة، وقد يتفوق عامل على آخر في التسبب في ظاهرة البطالة، وذلك بالطبع بخلاف توتر الحالة السياسية أو اتجاهات الدولة الاقتصادية أو وضعها الإقليمي، ولكن تبقى في كل الأحوال مسؤولية «الحد من نسب البطالة» أحد مهام الدولة الرئيسية، كما يقع على عاتقها التخطيط ووضع السياسات اللازمة لخفض هذه النسب والوصول بها إلى أدنى مستوياتها، ولكن السؤال المهم هو: كيف تنظر الدولة لمشكلة البطالة؟، هل تعتبرها مشكلة وقتية أم أنها مستمرة ؟، من المؤكد أنها ليست مشكلة وقتية، ولا ينبغي التركيز فقط في تقديم حلول آنية بل يجب وضع خطط طويلة الأجل لتلافي هذه المشكلة خاصة في ظل زيادة التعداد السكاني وزيادة خريجي المؤسسات التعليمية. إن المفهوم الحديث للدولة يقصي عن كاهلها الانخراط في التفاصيل الصغيرة والتركيز على تحقيق الأهداف قصيرة المدى، ويضع بدلا من ذلك على كاهلها مسؤولية التخطيط وتحديد الاستراتيجيات الكلية والأهداف بعيدة المدى، فالدولة تخطط وتنظم وترسم الأطر العامة، تتابع وتوجه وتراقب وتشرف على مراحل تنفيذ خططها على أرض الواقع وتتحقق من مدى تواؤمها مع بنود مخططاتها الأصلية، فالمفهوم الحديث للدولة يتجاوز تماما المفهوم التقليدي لها على أنها شريك أساسي في كل المشروعات الاستثمارية، يجب التخلي عن النظر للدولة على أنها أب لكل مواطن، عليها التكفل به وحل جميع مشكلاته المفصلة. إن حلول مشكلات البطالة في دولة مثل المملكة تعد أهون مقارنة مع دول أخرى غيرها نظرا لتمتعها بموارد كبيرة وقدرات استثمارية مرتفعة، غير أن إدارة مثل هذه المشكلات يتطلب التركيز على حلول دائمة وليست مؤقتة. فعلى سبيل المثال من الضروري التنسيق بين مدخلات الجامعات وبين احتياجات سوق العمل، يجب ألا يكون التوسع في القبول في الجامعات وخاصة من خريجي الثانوية العامة، هو أحد الحلول المطروحة لاستيعاب البطالة، ذلك أن التوسع في القبول يعمل على ترحيل المشكلة لأعوام قادمة وليس على حلها. كما يجب التركيز على تقليل حجم الواردات وخاصة للصناعات الثقيلة وإحلالها بصناعات داخلية وتجميعية، فالاستمرار والتوسع في سياسة الاستيراد ربما يحل مشكلات البطالة للدول المستورد منها ولكنه بالتأكيد لا يحل مشكلاتنا المحلية الخاصة. يجب التركيز أيضا على زيادة فرص الاستثمار للقطاع الخاص من خلال التوسع في إنشاء المدن الصناعية والمناطق الحرة، ووضع محفزات أكبر لرؤوس الأموال الأجنبية.. وبدورها يتوجب على مؤسسات القطاع الخاص التخلى عن هدف تعظيم الأرباح فحسب، وإعطاء بعض الأولوية لمسؤولياتها الاجتماعية والإنسانية كجزء من رد الدين لمجتمع يدافع عن وجودها ويناضل من أجل استمراريتها. لقد أصبح القطاع الخاص جزءا لا يتجزأ من طبيعة الدولة الحديثة التي تغير دورها هي الأخري كثيرا عن دورها في الماضي القريب، على الدولة أن تخطط وتشرف وتراقب وعلى القطاع الخاص أن يستثمر ويشارك ويؤازر ويعاضد، وخلال رحلة المشاركة والتلاحم ستبدأ لا محالة معدلات البطالة في الانخفاض بشكل تدريجي، وسيستعيد المجتمع طبيعته التكاملية الطبيعية كما نراها في جميع الدول المتقدمة. twitter.com/mufti_dr