كان المحللون الاقتصاديون متفائلين بشأن احتمالات النمو الاقتصادي في العالم النامي. وعلى النقيض من الولاياتالمتحدة وأوروبا حيث بدت آفاق النمو ضعيفة في أفضل تقدير، كان من المتوقع أن تتمكن الأسواق الناشئة من الحفاظ على أدائها القوي في الأعوام العشرة السابقة للأزمة المالية العالمية، فتصبح بالتالي المحرك للاقتصاد العالمي. واليوم حل محل هذا الكلام المخاوف إزاء ما أطلقت عليه مجلة «الإيكونوميست» وصف (التباطؤ الأعظم) إذ تشير البيانات الاقتصادية الأخيرة في الصين والهند والبرازيل وتركيا إلى أضعف أداء في مجال النمو في هذه البلدان منذ سنوات. ولذلك انحسر التفاؤل وتزايدت الشكوك. وكما كان من غير المناسب أن نقفز إلى النتائج باستقراء العقد الماضي الذي شهد نموا قويا، فلا ينبغي لنا أن نبني توقعاتنا في المستقبل على تقلبات قصيرة الأمد. ولكن هناك على الرغم من هذا من الأسباب القوية ما يجعلنا نعتقد أن النمو السريع سيكون الاستثناء وليس القاعدة في العقود المقبلة. ومن هنا، علينا أن نفهم كيف تصنع (معجزات النمو) باستثناء حفنة من البلدان الصغيرة التي استفادت من ثروات الموارد الطبيعية، فإن كل الاقتصادات الناجحة في العقود الستة الأخيرة تدين بنجاح النمو لديها إلى التصنيع السريع. وإذا كان هناك أمر واحد يتفق عليه الجميع فيما يتصل بالوصفة الاقتصادية في شرق آسيا، فهو أن اليابان، وكوريا الجنوبية، وسنغافورة، وتايوان، وبالطبع الصين، كانت جميعها ناجحة إلى حد غير عادي في نقل العمالة لديها من المناطق الريفية إلى التصنيع المنظم. إن التنمية الناجحة في الأمد الطويل تتطلب دفعة ذات شقين، فهي تتطلب محركا للتصنيع مصحوبا بالتراكم المطرد من رأس المال البشري والقدرات المؤسسية لدعم النمو القائم على الخدمات بمجرد بلوغ التصنيع حدوده القصوى. ومن دون محركات التصنيع، فإن الانطلاقة الاقتصادية تصبح مختلفة تماما. ففي غياب الاستثمار المتواصل في رأس المال البشري وبناء المؤسسات، يحكم على النمو بالزوال. وهكذا، فإن قدرة التصنيع على استيعاب العمالة أصبحت محدودة أكثر من ذي قبل. وسيكون من المستحيل بالنسبة إلى الجيل الجديد من الدول المنتقلة إلى التصنيع نقل 25 في المائة أو أكثر من قوتها العاملة إلى التصنيع، كما فعلت اقتصادات شرق آسيا. إلى ذلك، كانت العولمة بشكل عام وصعود الصين بشكل خاص من الأسباب التي أدت إلى زيادة كبيرة في التنافس على الأسواق العالمية، الأمر الذي يجعل من الصعب على القادمين الجدد إيجاد المجال لأنفسهم. وبينما تترنح الدول الغنية تحت وطأة الثقل الهائل المتمثل في الديون المرتفعة والنمو المنخفض والبطالة والتفاوت في الدخول فمن المؤكد أنها لن تتورع عن فرض ضغوط أعظم على الدول النامية لحملها على الالتزام بقواعد منظمة التجارة العالمية، والتي تعمل على تضييق المجال أمام إعانات الدعم الصناعية. ولن يتغاضى الغرب عن خفض قيمة العملة على الطريقة الصينية. وسوف يكون من الصعب للغاية على الصعيد السياسي مقاومة تدابير الحماية. * عن ديرشبيغل الألمانية. بقلم: داني رودريك - أستاذ في جامعة هارفارد. - خبير في شؤون العولمة والتنمية الاقتصادية.