هكذا ومع بداية موسم الخير ومع أول زخة مطر، على رابغ هذه المرة وما حولها، سقط ضحايا جدد، هكذا يترسخ لدينا المفهوم الجديد لغيث ربنا ورحمته فيتحول إلى موسم كوارث ومآس وتتحول الفرحة به إلى ترحة لسبب وحيد، بعد قضاء الله سبحانه وقدره، هو تقصير المسئول عن حمايتهم. تم منذ اليوم الأول توزيع دم الضحايا، دفاعنا المدني، الذي ما زلت أسميه مصلحة الإطفاء لأنه تطور اسما وحسب، حمل المسئولية على الأحوال الجوية التي تفاجأ بها كالعادة فتأخر وصولهم، تماما كما حدث العام الماضي وفي نفس المنطقة عندما حجزتهم السيول عن الوصول، فمتى نتعلم ومتى نحاسب من لا يتعلم حتى على جثث الضحايا؟ ماذا كانت تفعل مصلحة إطفائنا طوال العام الماضي وطوال الأعوام الماضية لتفادي تكرار الكوارث؟ لا شيء، والدليل تكرر سقوط الضحايا. ما فائدة الدورات والانتدابات الخارجية، ما جدوى شراء زوارق لا تعمل وسط السيل، كما تحججوا، وهناك زوارق تخترق الأنهار المائية الشديدة الانحدار والكثيرة الصخر وتهوي مع الماء في الوديان السحيقة، ما فائدة مروحيات لا تحلق وقت الطوارئ، كما برروا، وهناك أنواع تحلق وسط الأجواء الملبدة، أو في معدات، كما تعذروا، لا تنفع أمام سيل ماء؟ ولم الادعاء كل حين أنهم على أهبة الاستعداد لأي طارئ ثم مع أبسط طارئ يسقطون. فاللهم اجعل سيلنا القادم سهلا غدقا رحمة بأرواح مواطنينا وبآليات مصلحة إطفائنا. ليس الأمر أن «تايا» قرية نائية تفتقد جسرا بخلت به إدارة الطرق بالمنطقة على مدار السنين، وليس الأمر تصريحا لمدير الطرق، التي إن توضأنا عليها خربت، أنه سيقوم بإعداد تقرير عن طرق رابغ لضمان سلامة المواطنين، لماذا تأخر سعادته في أداء واجبه كل هذه السنين مع توالي سقوط الضحايا كل حين، هذه ليست أول كارثة، طرقه الخطرة ابتلعت أرواحا كثيرة في سيل العام 1406، ولعدم وجود مصارف ومجار وجسور آنذاك تهدمت بيوت وأغرقت أخرى تماما كما حدث هذا العام، ماذا كانت تفعل إدارة الطرق طوال 27 عاما لتفادي الكارثة، لا شيء سوى انتظار كارثة أخرى، متى نبدأ في محاسبة المقصرين؟ قد تكون رابغ مدينة صغيرة برغم موقعها الاستراتيجي، لكن رشة المطر وصلت إلى المدينةالمنورة وأوقعت ضحايا، ضربت الطائف وخربت مركبات وممتلكات، كلما هطل مطر استباح سيله مدننا وقرانا وهجرنا وفي كل مرة تتكرر نفس الأعذار البناء على سفوح الجبال مما يعيدنا للمربع الأول. ما المعضلة في البناء على مجاري الأودية، معظم تضاريس بلادنا تعج بالجبال والأودية، كذلك بعض مدن العالم التي يراها مسئولونا في كل زيارة وانتداب للخارج، غير أن مهندسي تلك المدن ومخططيها أحسنوا التعامل مع تضاريسهم مما لا نشاهده هنا، المسألة ليست معجزة إن توافر حسن العزم وسلامة الذمة، هناك اختراع اسمه أنفاق للسيول تستخدمه مدن العالم الجبلية، هناك اختراع اسمه مجار سواء للسيول أو للمياه المستخدمة تأخذها إلى حيث يمكن إعادة الاستفادة منها بتنقيتها، هناك اختراع اسمه تجميع مياه السيول في بلد يئن ويشكو من قلة مصادره المائية بدلا من تصريفها وهدرها في البحر، هناك مفهوم يفهمه كل مهندسي المدن يدعى التسوية (Levelling) يعرفه حتى «اليابا» عباس الذي بنى منزل الوالد قبل نصف قرن. أجزم أن معظم مسئولينا يعرفون كل ما سبق وينفذونه، لكن بعضهم ينفذه بدون عزيمة وبدون ذمة والدليل توالي سقوط الضحايا مع كل غشقة مطر. يبني الناس على سفوح الجبال مضطرين فلصوص الأراضي وهوامير العقار لم يتركوا لهم خيارا، ولا تحسن بلديات مدننا وإدارات طرقها تسوية المكان، ولا تشترط مصلحة إطفائنا تسهيل وصولها، فإن وقعت الواقعة حملت هذه الجهات المسئولية على المواطن أو الطقس أو التضاريس. رحم الله شهداء «تايا» ضحايا التقصير في أداء الواجب.