أكد عضو هيئة التدريس بكلية العلوم الزراعية والأغذية بجامعة الملك فيصل والخبير المائي والبيئي الدكتور محمد حامد الغامدي أن ماحدث في كارثة جدة نتيجة حتمية لتصرفات لاتراعي متطلبات البيئة، والتي تنتج عن سوء التخطيط البيئي وتجاهل الحقائق المتعلقة بالطبيعة. وحذر في مداخلة ل"الرياض" متزامنة مع "ندوة الثلاثاء" من أن الأسوأ قادم، ويتمثل في فيضانات عارمة تجتاح الكثير من المناطق، وتحدث هذه الفيضانات نتيجة تصرفات لا تراعي المتطلبات البيئة التي يمارسها البعض في هذا الوقت، مشيراً إلى أن الأمطار كانت فيما مضى تنزل دون كوارث وبغزارة أكثر مما هي عليه اليوم، موضحاً أن ما جرى في جدة أمر متوقع علمياً نتيجة سوء التخطيط البيئي. وقال يشكل إغفال البيئة وتضاريسها خطراً يزيد من احتمال حدوث مثل هذه الكوارث، وتجاهل الحقائق المتصلة بطبيعة تكوين مناطق الدرع العربي وتضاريسه يدل على سطحية يعيشها المسئول الذي يخطط للمستقبل في هذه المناطق، فالبيئة ليست جزءاً من ممتلكاتنا، بل نحن مستأمنين عليها، والبيئة قوة يجب فهمها مع ضرورة التعايش وفقاً لمتطلباتها، فهناك توازن يجب الحفاظ عليه. وأضاف أن "كارثة جدة" حدثت نتيجة لهطول أمطار اقل بكثير مما كانت عليه في السابق ثم حدث ما حدث، والمسؤولية لا يتحملها المواطن، أو من يروج للمناطق العشوائية، وجعلها شماعة لتبرير التقصير والتخاذل في خدمة الوطن والمواطن. وأشار إلى أن منطقة الدرع العربي هي سلسلة جبال السروات التي تمتد على طول البحر الأحمر من جنوبه إلى شماله، كما تتكون من صخور صلدة صماء تفترش كامل قاع المملكة ولكنها تأخذ في العلو والارتفاع جهة الغرب إلى أن يصل ارتفاعها أكثر من (2000) متر فوق سطح البحر، ولمناطق الدرع العربي انحداران، شرقي وآخر غربي، وهي مناطق تكثر عليها الأمطار، خاصة الجبال التي تتلقى السحب المحملة بالامطار والقادمة من جهة البحر، تتكثف هذه السحب نتيجة لعوامل كثيرة وتنزل في شكل أمطار على هذه الجبال، كما تتميز مناطق الدرع العربي بوجود أودية كثيرة ومتشعبة بعضها يغذي بعض، إلى أن تتحول مياه السيول إلى فيضانات مندفعة بشكل قوي وجارف، متجهة أما شرقا أو غربا جهة البحر الأحمر، وهذا ما حصل أخيرا في جدة، متسائلاً:كيف غابت عن المسؤولين هذه الحقائق؟. هل تستطيع بحيرة المسك تحمل أكثر من 50 مليون متر مكعب من المياه؟ وقال من الخطر تنمية مدينة جدة والتوسع في أحياها في جميع الاتجاهات دون النظر إلى خطورة الأودية التاريخية التي تنقل مياه المنحدرات الغربية إلى البحر، مشيراً إلى أن جدة تقع في وادي تهامة المشهور الذي يمتد من شمال المملكة إلى جنوبها بمحاذاة البحر الأحمر، وتسمى هذه المناطق سهول تهامة، لأن بها أودية كثيرة وعريضة، إلى جانب مجاري للسيول تصب فيها المياه من المناطق والسفوح والمنحدرات الجبلية الغربية، وهذه المنحدرات عبارة عن انكسارات فجائية في الجبال، حيث تلتقي بسهول تهامة في زاوية شبه قائمة، وارتفاعات قد تتجاوز (2000) متر عن سطح الأودية تعرف محليا ب(الشفا)، بينما تتدرج هذه السفوح الجبلية شرقا إلى أن تلتقي برمال الصحراء، وتقذف هذه السفوح مياه الإمطار المتجمعة على أرضيتها الصلدة إلى بطون الأودية التي تنقلها إلى البحر، كنتيجة تسمى سيول منقولة، وتنزل الأمطار على سفوح الجبال الغربية، وتتجمع ثم تنتقل إلى أماكن ابعد في طريقها إلى المصب النهائي.. متسائلاً: كم هي عدد الأودية التي كانت موجودة في منطقة جدة؟.. ولماذا البناء في هذه السهول دون الاكتراث بنتائج وخطورة هذا التصرف؟.. خطورة بحيرة المسك وحول الحلول المجدية لتدارك مخاطر بحيرة المسك، قال د.الغامدي لا ادري كيف سمح بإنشاء هذه البحيرة وفي هذا الموقع بالذات؟، فالبحيرة في مستوى أعلى من مستوى مدينة جدة، ومن المعروف أن أرضيتها صلدة لا تسمح بتسرب المياه إلى جوف الأرض لأسباب جيولوجية، وحتى الكميات التي تتسرب إلى باطن الأرض اقل بكثير من كميات المياه المضافة، وهذا يعني زيادة منسوب المياه في هذه البحيرة مع مرور الوقت، وهطول الإمطار لابد أن يزيد في منسوب مياه البحيرة، وحاليا يمكن تحجز البحيرة أكثر من (50) مليون متر مكعب، وهذه الكمية تشكل ثقل كبير على جدران البحيرة، ولا اعرف هل تم اخذ هذا في الاعتبار؟، مع العلم أن كميات هذه المياه كان يمكن استغلالها عن طريق المعالجة واستخدامها بشكل رشيد في مجالات عديدة. مناطق مهددة وعن توقعه حدوث كوارث مشابهة في مناطق أخرى، قال: لم أتوقع وقت فيضانات مدينة جدة، لكني توقعت وقوع فيضانات في جميع مناطق الدرع العربي، ومازلت أتوقع حدوث المزيد منها، هذه التوقعات ليست ضربا من التنجيم، بل هناك مؤشرات علمية يمكن أن يعول عليها الإنسان في الكثير من التوقعات، وغالبا ما تكون هذه التوقعات صحيحة حتى وان تأخر حدوثها، فالكثير من كوارث فيضانات المياه ستحل لا محالة، المسألة مسألة وقت، أن لم تحصل هذا العام فستحصل في العام الذي يليه أو بعد حين، وذلك يتوقف على كمية هطول الإمطار في مواسمها، ومنطقة الدرع العربي معرضة لكوارث الفيضانات بشكل مرعب وخطير، ليس لان الأمطار في زيادة، لكن لان الإنسان أهمل البيئة وفقد الإحساس بقيمتها وتجاهل قوتها ودورها في الحياة، والمناطق المتعرضة للخطر هي الباحة وعسير وجازان ونجران ومكة المكرمة والمدينة المنورة، وفي ظل استمرار التطاول على البيئة، ستتعرض هذه المناطق إلى كوارث مخيفة.