إلى بضع سنين خلت كان العلماء والباحثون يعتقدون أن تكوين العقل البشري يتم في أكثره خلال السنوات الأربع الأولى من العمر . أما اليوم وبعد اختراع جهاز الرنين المغناطيسي الذكي الذي يصور ليس فقط تركيب الدماغ وإنما أيضا التغيرات الفسيولوجية التي تحدث فيه كردة فعل للتفكير، فقد أصبحنا نعرف أن الدماغ يستمر في نموه التشريحي والفسيولوجي إلى الثلاثينات من العمر . كما أن الخلايا الرمادية في الدماغ وهي الخلايا المسؤولة عن اتخاذ القرارات والتخطيط والتواصل الاجتماعي، تبلغ ذروتها من التغيير التشريحي والفسيولوجي في الفترة ما بين سن البلوغ وبداية العشرينات من العمر أي في فترة المراهقة. ومن هنا فإن التصرفات التي تتسم بها مرحلة المراهقة والتي يعدها الكبار تصرفات غريبة وغير منطقية، مثل النزعة للاستقلال أو الاستعداد للمخاطرة أو الاختلاف عن الآخرين، مصدرها عاملان أساسيان هما التغيرات الهرمونية والتغيرات التشريحية والفسيولوجية في تركيب الدماغ. وهما عاملان لا يملك المراهق حيالهما الشيء الكثير، وبالتالي فإن تصرفات المراهق التي تبدو غير طبيعية أو مألوفة لا يفيد في تصحيح مسارها النقد أو العقاب كما يفيد الاستماع إليه والإصغاء له ومحاولة فهمه . هذا لا يعفي المراهق من تحمل المسؤولية فهو إنسان مكلف ولكني أتحدث عن أفضل الوسائل للتعامل معه. هذا الأمر يسوقنا إلى حديث آخر ذي صلة ألا وهو دور البيئة في تشكيل عقلية المراهق . لقد وجد أن البيئة المحيطة بالمراهق تؤثر على نمو خلاياه الدماغية وتطورها إيجابا أو سلبا . كلما كانت البيئة منبهة ومنشطه وصالحة «وأضع خطين تحت كلمة صالحة» كلما ساعد ذلك في تكوين خلايا دماغية صحية لديه. كما وجد أن التعليم النشط الذي يعتمد على البحث عن المعلومة، والحوار والمناقشة، يساعد المراهق على التفكير والإبداع كما يسهم إلى حد بعيد في نمو خلاياه الدماغية وتطويرها. ولما كانت نسبة عالية من المراهقين في البلاد العربية لا تكمل دراستها الثانوية، فإن في هذا خسارة فادحة لتكوين العقل البشري لدى شباب الأمة.. الخلاصة نستطيع أن نوجزها في أمرين : أولهما .. أن البيئة الصالحة التي تحيط بالمراهق في البيت والمدرسة والشارع تسهم إلى حد بعيد في تكوين خلاياه الدماغية بشكل سليم . وثانيهما أن التعليم النشط الذي يجعل الدارس يبحث عن المعلومة في مظانها ويحفز قدراته على التفكير والحوار والإبداع قمين بأن يسهم في نموه العقلي.