خمسة وستون عاما تنتظر حلول موسم الحج لتحزم عدتها وتنصبها في جنبات المشاعر المقدسة، تعتبر بسطة الخالة (آمنة) الأشهر بين البائعات الجائلات بمثابة استراحة يقضي ضيوف الرحمن بعضا من الوقت عندها ليحتسوا الشاي والقهوة التي اشتهرت بحسن إعدادهما. «عكاظ» أخذت دورها بين زبائن الخالة «آمنة» الملتمين حول بسطتها هذا يطلب كوبا من الشاي والآخر يريد قنينة ماء، وهي تلبي طلبات زبائنها بوجه باسم فمن يملك المال يدفع لها ومن ليس لديه تعفيه بكرم طبعها. ذكرت الخالة آمنة: «منذ طفولتي وأنا أعمل ببسطة الحج مع والدتي (رحمها الله) التي لم يرزقها الله بغيري ربتني على الاعتماد على نفسي وكانت تقول لي العمل الشريف لا عيب فيه، عملت كصبية في بسطة أمي التي كانت تعد الشاي والقهوة والحليب، وأنا أقوم بإيصالها إلى الزبائن المنتشرين هنا وهناك بمشعر عرفات ومنى ومزدلفة، فأينما ذهب الحجاج لحقناهم بعدتنا، وعندما كبرت منحتني مسؤولية الإعداد وتفرغت هي للحسابات إلى أن أعجزها المرضى وتوفيت وعملت بهذه المهنة بمفردي، كثيرا من الحجاج الذين يعاودون الحج سنويا في الزمن الماضي وكبار المطوفين يعرفونني، فمنهم من يدفع لي ومنهم من يفتح حسابا لدي ويقوم بتسديدي في آخر يوم من الحج». يقول أحد الشبان العاملين في حملات الحج: «إن بسطة الخالة «آمنة» كالديوانية يجتمع فيها كثير من الموظفين والحجاج للتحدث إليها والاستماع إلى حديثها الماتع عن حكايات الزمن الماضي وأحداثه الجميلة فخبرتها في الحياة واحتكاكها بعموم الناس أكسبها مهارات كثيرة فهي تجيد الحديث بعدد من اللغات وتعرف بعض المصطلحات الشعبية المتداولة بين الحجاج في بلادهم، كما أنها تجيد ببراعة إعداد الشاي ذي المذاق المميز الذي لا نجده في أي مكان آخر سوى في بسطتها، فالجميع يعتبرها مثالا رائعا للمرأة المكافحة ورغم أنها لم تتزوج فشعور الأمومة يبدو جليا في تصرفاتها وعطفها علينا، فغالبا من تقدم لنا الطلابات ولا تسأل عن قيمتها ولها مواقف حسنة مع الكثير، وبعض الحجاج يأتون إليها مهما طال بهم الغياب ليتحدثوا إليها ويرتشفوا شيئا مما تعد».