في المقالة السابقة «حجة الوداع»، أشرنا إلى دنو أجل محمد عليه الصلاة والسلام وقرب انتقاله إلى الرفيق الأعلى، والدلائل التي وردت في القرآن الكريم وأقواله وتصرفاته عليه السلام، كل ذلك لم يشغله عن استكمال رسالته واستمرار نصحه للمسلمين قولا وعملا حتى وهو يعاني من الحمى والصداع في آخر ساعاته، كما أن حجة الوداع والخطبة التي ألقاها في نمرة من عرفة وقيادته للحجاج من المدينةالمنورة إلى مكةالمكرمة مع مجموعة كبيرة من الحجيج لأكبر دليل على حرصه صلى الله عليه وسلم على أداء الأمانة وإبلاغ الرسالة وكأنما كانت تلك الحجة دورة عظيمة وورشة عمل كبرى يقيمها ويقودها عليه الصلاة والسلام في تلك الرحلة العظيمة، ويبين المشاعر ويجيب عن الأسئلة ويسهل الأمر على المسلمين ويكرر لا حرج لا حرج في كثير من المواطن. ولأن هنالك من الأقوال والأفعال التي قام بها رسولنا صلى الله عليه وسلم في المشاعر في تلك الحجة ما لها القدر الكبير من الأهمية فسأقوم باستعراضها بإيجاز. الفعال والنصائح في المشاعر كان محمد صلى الله عليه وسلم صبورا سمحا مراعيا لظروف الحجيج ويجيب عن أسئلتهم ويقبل إلحاحهم بكل صدر رحب ويشرح لهم أركان الحج وما يجب عمله عند الإحرام وفي المشاعر، كما استغرق في رحلته عليه الصلاة والسلام من المدينة إلى مكة ثمانية أيام ووصل مكة في اليوم التاسع مراعيا ظروف كبار السن والمترجلين، ولا يزاحم عند الحجر الأسود ويكتفي بالإشارة بعصاه دون أن يحرص على استلام الحجر في كل شوط. سمع صلى الله عليه وسلم زجرا شديدا وضربا وصوتا عاليا للإبل في النفرة من عرفة إلى منى فلاحظ أن هناك حجاجا يستعجلون ويجرون بالإبل فقال لهم : أيها الناس عليكم السكينة فإن البر ليس بالإيضاع «السرعة»، وكان يكرر القول للحجاج أثناء النفرة «السكينة السكينة» وكان قدوة حسنة فلا يسمح لناقته بالانطلاق في الزحام. شوهد عليه السلام وهو يرمي جمرة العقبة ويقول: إن أمر عليكم عبد مجدع أسود يقودكم بكتاب الله تعالى فاسمعوا له وأطيعوه». كان عليه السلام لا يسبغ الوضوء إذا كان في مكان ليس به بئر أو كان الماء قليلا، فإذا توفر الماء أسبع الوضوء. خطب عليه السلام في يوم النحر «اليوم الأول من عيد الأضحى المبارك»، بعد أن ذكرهم بحرمة شهر الحج ومكةالمكرمة ويوم النحر، ثم قال «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ببلدكم هذا في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، فلا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه»، ثم قال عليه السلام «ألا هل بلغت ألا هل بلغت». وهكذا نرى كفاحه وجهوده وحرصه على المسلمين صلى الله عليه وسلم، لذلك فإن حجة وخطبة الوداع هي الإعلان الحقيقي لحقوق الإنسان وواجباته، وآمل من إخواننا المسلمين المهتمين بحقوق الإنسان أن يضعوا هذا الموضوع محل اهتمامهم وأن يكون مسجد نمرة بعرفات شعارا يذكرنا بحقوق وواجبات الإنسان المسلم. ( * ) عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان