دأب بعض الحجاج على اختصار مناسك الحج في يوم واحد هو يوم الوقوف بعرفة وجبر ما تبقى من واجبات وأركان بالفدية، وهو ما أطلق عليه «حج اليوم الواحد»، فيما اعتاد آخرون خاصة المقيمين في المدن القريبة من مكةالمكرمة، الخروج من المشاعر والعودة إليها لأداء النسك مهملين المبيت وغير ذلك من الواجبات. «عكاظ» استطلعت آراء عدد من العلماء للوقوف على مدى مشروعية مثل هذا الفعل. وفيما أجاز رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور يوسف القرضاوي هذه الحجة، بشرط أن يقف الحاج بعرفة يوم التاسع ويرمي جمرة العقبة يوم العيد ثم يوكل عن بقية الأيام، وعليه هدي في مخالفته لبعض أحكام وواجبات الحج، اختلف معه عضو هيئة كبار العلماء عضو المجلس الأعلى للقضاء الدكتور علي بن عباس الحكمي، مؤكدا أنه لا يجوز التساهل في واجبات وأركان الحج، مبينا أن الحاج إذا تعمد ترك الواجب أو فعل المحظور يأثم ولو جبره بفدية. واعتبر البروفيسور غازي بن غزاي المطيري أستاذ كرسي الأمير نايف لدراسات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالجامعة الإسلامية ما يعرف ب «حج اليوم الواحد» تفريطا واستهزاء بهذه الشعائر والحرمات، ولا يمثل مقاصد العبادة وأهدافها ولا يحقق سموها وعمقها بقدر ما يقدم صورة شوهاء وعبثا واستهزاء، وشدد على عدم ترك الأمر على عواهنه دون عقاب أو رادع حتى لا يشجع ذلك على المزيد من الانحرافات التي يجب رصدها وتتبع أفرادها وقطع دابرها حتى لا تتسع شقة الانحراف ودائرة الضلال. آثم من يفعل ذلك بداية قال الدكتور علي بن عباس الحكمي، تعليقا على قيام بعض الناس بالصعود إلى عرفة مباشرة ثم يعود إلى منزله وهكذا يفعل في المشاعر المقدسة، إن «الحج له وقت معين ومكان معين وله شعائر معينة فإذا دخل الحاج في النسك فلا بد أن يلتزم به شرعا وإذا تعمد ترك الواجب أو فعل المحظور من غير عذر فإنه يأثم، وربما يكون حجه صحيحا إذا جبره بفدية ما لم يترك ركنا لكنه يبقى آثما». وأضاف «إذا تعمد الحاج ترك الواجب أو فعل المحظور من غير عذر لا يجوز له ذلك ويكون آثما بتعمده ترك الواجب وفعل المحظور ولو جبره بدم، ومن أراد أن يدخل في النسك تقربا إلى الله فيلزمه أن ينوي النية الصحيحة الصادقة ويأتي بها على الوجه المشروع بقدر ما يستطيع لكن إذا عرض له عارض من مرض أو تعثر في طريقه بغير إرادته فهذا أمر آخر، أما أن يدخل النسك وقد نوى أن لا يبيت بمنى أو يدخل وهو مرتد ملابسه ليتجاوز النقطة فهذا آثم». وزاد «بعضهم يقول أفعل المحظور وأفدي، هذا لا يعتبر حجا معتبرا شرعا وإن كان في ظاهره إذا عمل الفدية عن ترك الواجب أو فعل المحظور في الظاهر يكون حجه صحيحا لكن القبول عند الله وكونه كاملا يجب أن يكون وفق الحديث الشريف الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه (من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه). وبين أن الحج فيه مشقة لا بد أن يتحملها الحاج، وأما مثل هذه التصرفات كأن يختصر الحج في يوم واحد أو غير ذلك فهذا لا يجوز، يجب على الحاج أن يبيت بمنى على الوجه المشروع ويقف بعرفات وأن يتذلل ويخشع لله ويجمع بين النهار وجزء من الليل في عرفات ويبيت بمزدلفة على الوجه الصحيح». وقال «البعض يضيع الحج ويترك بعض تلك الأمور بحجة الزحام وغير ذلك دون أن يدري واقع المشاعر هل هي مزدحمة أم لا، وقد بلغ بهم التساهل هذا المبلغ، وهناك قاعدة تقول إن تعمد ترك الواجب أو فعل المحظور من غير عذر حرام ولا يجوز، ويأثم فاعله ولو جبره بفدية، ويجب على الحاج أن يستحضرها». وكان عدد من الحجاج المقيمين في المدن القريبة من مكةالمكرمة دأبوا على الخروج من المشاعر والعودة إليها لأداء النسك مهملين المبيت وغير ذلك من الواجبات، ما أطلق عليه البعض «حج اليوم الواحد»، وهو ما أوضحه الشيخ الحكمي بأنه لا يجوز ويأثم فاعله إن كان لغير عذر شرعي. التزام دون غلو أو شطط ورغم أن الدكتور يوسف القرضاوي يجيز هذه الحجة، بشرط أن يقف الحاج بعرفة يوم التاسع ويرمي جمرة العقبة يوم العيد ثم يوكل عن بقية الأيام، وعليه هدي في مخالفته البعض من أحكام وواجبات الحج، إلا أن البروفيسور غازي بن غزاي المطيري يرى أن مما يجب أن يعلم أن تعظيم الشعائر مقصد شرعي حث كتاب الله على تعظيمها كما في قوله تعالى (ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه) وقوله (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)، مبينا أن معنى التعظيم التزام الحاج والمعتمر بالمنسك دون غلو أو شطط أو انحراف ومما يسمى اليوم ب «حج اليوم الواحد» يعد تفريطا واستهزاء بهذه الشعائر والحرمات، فالحج له أركان وواجبات وسنن مثل هذا التصرف الأرعن لا يمثل مقاصد العبادة وأهدافها ولا يحقق سموها وعمقها ولا يمثلها بقدر ما يقدم صورة شوهاء وعبثا واستهزاء، ومن هذا المنطلق فإن الأثر والتأثير لا يقف عند حد وإنما سوف يتصل بالآخرين وفي الحديث (من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها)، والحق أن العبادة في الإسلام لم تكن يوما تتكيف وفق أهواء الناس وعاداتهم ولن يستطيع أحد تغيير ذلك ولكن الإثم سيكون عظيما والوزر كبيرا على أولئك العابثين والمغيرين والمحرفين». وأضاف «ليس من شك أن ترك الأمر على عواهنه دون عقاب أو رادع فإن ذلك يشجع على المزيد من الانحرافات وبهذا يكون الاحتساب على تلك المخالفات واجبا ولازما فينبغي ألا تمر هذه الانحرافات مرور الكرام وإنما يجب رصدها وتتبع أفرادها وقطع دابرها حتى لا تتسع شقة الانحراف ودائرة الضلال». وزاد «الإنسان إذا تصرف دون عاصم من دين أو قيد من علم، يسوقه ذلك حتما إلى الضلال المبين وليس ثمة سبيل أنجع من التفقه الشرعي والبعد عن شواذ المسائل وقلب ظهر المجن للفتاوى الشاذة وتوحيد مرجعية الفتوى حتى لا يصبح دين الله هزوا ولعبا، فإن هذا في الحقيقة يعود إلى بعض الجرأة والافتئات والتقدم بين يدي الله ورسوله حتى غدا الإفتاء أمرا مباحا لكل أحد، لذلك لا نستغرب أن تظهر الفتاوى والآراء الشاذة مع مرور الأيام ما دامت تجد أذنا صاغية وأعمالا تابعة فلا مناص أن تتوجه المسؤولية إلى جميع الجهات سواء إعلامية أو حسبية أو توعوية والجد في رصد هذه الفتاوى والتصرفات ومحاصرتها حتى لا تنتقل عدواها إلى حجاج الافاق، فالتقليل من شأنها ربما يساعد على انتشارها». ظاهرة لافتة من جانبه، أشار مدير عام إحدى وكالات السفر والسياحة، إلى أن الظاهرة كثرت هذا العام بشكل لافت خاصة من الدول التي تعتمد يومي السبت والأحد إجازة رسمية لها، مشيرا إلى أن مكاتبهم في الخارج تقوم بعمل مثل هذه الحجوزات القصيرة المدى والتي لا يستغرق أصحابها في الذهاب والعودة سوى 24 ساعة. وقال «استنفرنا موظفينا لاستقبال وتوديع هؤلاء فاضطررنا لاستحداث وظائف مؤقتة للشباب للعمل خلال هذه الأيام خاصة أن رحلات العودة لهؤلاء الحجاج تكون في أوقات متقاربة جدا». وأوضح أن برنامج حج اليوم الواحد، يبدأ بالوصول إلى مكةالمكرمة يوم عرفة وأداء طواف القدوم، ثم التوجه إلى عرفات ومزدلفة بعد الغروب ورمي جمرة العقبة ثم التحلل والتوجه إلى الحرم المكي مرة أخرى، فيسعى ويجمع بين طواف الإفاضة والوداع، وينيب عنه من يقوم برمي الجمرات أيام التشريق.